للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الرّابع

نشاط الشعر والشعراء

١ -

تعرب (١) الجزائر

ذكرنا-فيما أسلفنا-أنه كان بالجزائر قبل الفتوح العربية الإسلامية عناصر جنسية مختلفة، جمهورها من البربر ومن نزلوا بديارهم من الفينيقيين والقرطاجيين واليهود والرومان والوندال الألمان والإغريق البيزنطيين، ثم نزلها العرب ومن انتظم فى جيوشهم من أهل البلاد الإسلامية: من إيران والعراق والشام ومصر، وظلت جيوش متعاقبة تنزلها فى العهدين الأموى والعباسى، كما ظلت جموع متفاوتة من هذه الجيوش تستقر فى البلاد المغربية من برقة إلى المحيط الأطلسى مختلطة بالسكان وناشرة للإسلام ولغته العربية. وعاملان أساسيان ساعدا بسرعة على نشر الإسلام ولغته هناك، هما تعاليم الإسلام السمحة التى حررت البربر من ظلم الدول السابقة التى احتلت ديارهم قرونا متطاولة وأرهقتهم بضرائب باهظة مع العسف والبغى الشديد، وليس ذلك فحسب، فقد رأوه دينا قويما يسوّى بين أتباعه فى جميع الحقوق، والعامل الثانى سياسة ولاته وخاصة فى القرن الأول الهجرى وما كفلوا للبربر من العدل والمساواة بينهم وبين العرب فى جميع الحقوق: فى الجهاد وفى غنائم الحرب وفى الولاية على القبائل والمدن. وعنى موسى بن نصير الوالى هناك (٨٦ - ٩٦ هـ‍) بأن يعهد فى الأنحاء التى لم يتم إسلامها حتى عهده إلى فقهاء ومعلمين يعلمون أهلها فرائض الإسلام ويحفظونهم القرآن الكريم، ودخلت جماعات بربرية كثيرة لعهده فى الدين الحنيف، وانضم كثيرون من البربر إلى جيوشه فى فتوح المغرب، وفتح الأندلس بقيادة قائد منهم هو طارق بن زياد على نحو ما هو معروف. وعنى عمر بن عبد العزيز بإرسال بعثة-كما مر بنا-لنشر الإسلام هناك بأخرة من القرن الأول الهجرى. وينحرف حكام بنى أمية-منذ أوائل القرن الثانى-عن جادة الإسلام الرشيدة فى حكم الشعوب التى اعتنقته، ويثور البربر فى الجزائر وغير الجزائر، وتقدم إليهم جيوش مختلفة وتظل منها بقايا كثيرة فى ديارهم. ويحدث ذلك نفسه فى أوائل عهد العباسيين، حتى إذا ولى يزيد بن حاتم المهلبى (١٥٤ - ١٧٠ هـ‍) هدأت المغرب فى الجزائر وغير الجزائر وعمّ الأمن والرخاء فى البلاد، ويؤسس إبراهيم بن الأغلب الدولة الأغلبية منذ سنة ١٨٤


(١) راجع النصوص عن ابن خلدون فى الجزء السادس من تاريخه.

<<  <  ج: ص:  >  >>