للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الديباجة. وأكثر من هذه القصيدة رصانة وجزالة قصيدة لخليفة المشرق فى نفس الممدوح يحمّسه ويستثيره فيها على منازلة خصومه مستهلا لها بقوله (١):

قاتل بسعدك فالمعالى تنجد ... واعزم فجدّك لم يزل يتجدّد

والحرب أنت مجيدها ومجيلها ... والخلق تعلم والوقائع تشهد

سمعت خيولك بالحروب فهزّها ... طرب وباتت للصّهيل تردّد

ما ذاك إلا أنها عوّدتها ... حمر الدّما حيث النّجيع المورد (٢)

ويستمر الشاعر طويلا فى وصف معارك على باى وما يخوض فيها من الدماء إلى أعدائه وما يقطف من رءوسهم. والقصيدة حماسية قوية، ولم ننشد شيئا من شعر الشاعرين الرسميين على العراب الصفاقسى ومحمد الورغى، لأننا سنخصهما بترجمتين مجملتين. ونتوقف الآن لنترجم لبعض من مرّوا بنا من شعراء المديح، وسنحاول الإيجاز قدر المستطاع.

على (٣) بن محمد الإيادي

نشأ وتربى بتونس، وهو من أهم شعراء الدولة العبيديّه بالقيروان والمهدية، وخدم الخلفاء:

القائم والمنصور والمعز، وذكره محمد بن شرف فقال: «وأما على بن الإيادي التونسى فشعره المورد العذب، ولفظه اللؤلؤ الرّطب، وهو بحترىّ الغرب، يصف الحمام، فيروق الأنام، ويشبّب فيعشق ويحبّب». ومن شعره فى وصف أسطول القائم بالمهدية:

اعجب لأسطول الإمام محمد ... ولحسنه وزمانه المستغرب

لبست به الأمواج أحسن منظر ... يبدو لعين الناظر المستعجب

من كل مشرفة على ما قابلت ... إشراف صدر الأجدل المتنصّب (٤)

دهماء قد لبست ثياب تصنّع ... تسبى العقول على ثياب ترهّب (٥)

وتصويره للسفن بأنها منتصبة الصدر كالصقر تترقّب ما تنقضّ عليه تصوير بديع، ويتصور اللون الأبيض فى أعاليها كأنه ثياب ترهب، ويتحدث عن نار النفط التى تقذفها بألسنتها على الأعداء وعما يحفّها من مجادف مصفوفة فى الجانبين تطير بها فى عباب البحر المتوسط طيرانا.

ويطيل فى وصف الأسطول متنقلا بين تصاوير رائعة وهى قصيدة بديعة، ومثلها قصيدة ثانية


(١) الأدب التونسى فى العهد الحسينى، ص ٤٥.
(٢) النجيع: دم الجوف.
(٣) انظر ترجمة الإيادي فى تاريخ الأدب التونسى للأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب ص ٩٦.
(٤) الأجدل: الصقر.
(٥) دهماء: سوداء لطلائها بالقار.

<<  <  ج: ص:  >  >>