للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى الجزائر شيوخ المتصوفة الحقيقيين. وآخرهم كان شيخه محمد بن عمر الهوارى الذى كان يقول له ذلك قاصدا به أهل الكمال من الصوفية أو الصوفية الحقيقيين.

٥ -

شعراء المدائح النبوية

يأخذ شعراء المدائح النبوية فى الكثرة بالجزائر والبلاد المغربية منذ القرن السابع الهجرى، وخاصة منذ النصف الثانى منه، وفى مقدمتهم محمد بن الحسن بن ميمون القلعى البجائى الذى أنشدنا له مقطوعة طريفة فى التصوف وكان يكثر من النظم فيه وفى المديح النبوى مثل قوله (١):

أمن أجل أن باتوا فؤادك مغرم ... وقلبك خفّاق ودمعك يسجم (٢)

وما ذاك إلا أنّ جسمك منجد ... وقلبك مع من سار فى الركب متهم (٣)

وما ضرّهم لو ودّعوا يوم أودعوا ... فؤادى بتذكار الصبّابة يضرم

وإنّي لأدعو الله دعوة مذنب ... عسى انظر البيت العتيق وألثم

فيا طول شوقى للنبىّ وصحبه ... ويا شدّ ما يلقى الفؤاد ويكتم

إليك رسول الله أرفع حاجتى ... فأنت شفيع الخلق والخلق هيّم (٤)

وقد أثقلت ظهرى ذنوب عظيمة ... ولكنّ عفو الله أعلى وأعظم

وهو لا يخفى صبابته بأصحابه الذين فارقه موكبهم العظيم إلى الحج وزيارة الأراضى المقدسة وقلبه يخفق ودمعه يسجم، فقد أنجد جسمه وفارق قلبه متهما مع من يرودون تهامة إلى مكة والمدينة، ويقول ما ضر رفاقى الذين ستكتحل عيونهم بنور هذه البقاع الطاهرة لو ودعونى يوم رحيلهم حين أودعوا فى فؤادى نار الصبابة مضطرمة ملتهبة، وإنّي لأدعو الله دعوة خاشع بل دعوة مذنب أن يتاح لنظرى أن يكتحل بنور البيت العتيق وأقبّل الحجر الأسود كما قبله الرسول الكريم، وما أشد شوقى للرسول وصحبه، وما أشد ما يلقى فؤادى وأكظم. وإنّي يا رسول الله أتمنى عليك أن تشفع لى كما تشفع لجميع الخلق يوم القيامة، وهم جميعا عطاش عطشا شديدا والحر من الزحام آخذ بخناقهم، وقد أثقلت ظهرى ذنوبى، ولكن أملى فى عفو الله أكبر وأعظم. وكان عبد المنعم الغسانى فقيه مدينة الجزائر وأديبها وشاعرها فصاحة لسان وإحكام بيان وتولى القضاء فى بجاية مدة طويلة، وتوفى فى عشر الثمانين وستمائة، ومن نبوياته قوله (٥):


(١) عنوان الدراية ص ٧٠.
(٢) يسجم: يسيل.
(٣) منجد: فى نجد. متهم: فى تهامة.
(٤) هيم: عطاش.
(٥) عنوان الدراية ص ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>