للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجوارى بضمير المذكر. ومن تتمة هذا التبادل بين الجوارى والخصيان فى الزى والهيئة حينئذ كثرة المخنثين بين المغنين والضاربين على الدفوف، وكانوا يتشبهون بالنساء فى عاداتهن وثيابهن وضفر شعورهن وصبغ أظافرهن بالحناء (١).

[٤ - الشعوبية والزندقة]

نادى الإسلام فى قوة بهدم الفوارق العصبية للقبائل والفوارق الجنسية للشعوب، حتى يسود الوئام بين أفراد الأمة الإسلامية، فلا عدنانى ولا قحطانى ولا عربى ولا أعجمى، إنما هى أمة واحدة يتساوى أفرادها فى جميع الحقوق ولا تفاضل فيها إلا بالتقوى والعمل الصالح، يقول جلّ شأنه: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم فى خطبة حجة الوداع: «أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربى على عجمى فضل إلا بالتقوى» (٢).

وهذا بلا ريب مثل أعلى أراده الإسلام لأمته، غير أنا لا نصل إلى عصر على بن أبى طالب وما نشب لعهده من حرب صفّين حتى نرى العصبيات القبلية تعود جذعة بين القبائل، وكأنهم لم ينسوا حياتهم القديمة، بل لقد اضطرمت اضطراما لم تهدأ ثائرته طوال عصر بنى أمية. وقد مضى الأمويون ينحرفون عن جادّة الدين فى معاملة الموالى، فهم يرهقونهم بكثرة الضرائب، وهم لا يسوون بينهم وبين العرب فى الحقوق، إلا ما كان من عمر بن عبد العزيز، ولكن مدة حكمه كانت قصيرة، فلم يؤت عمله فى هذا الجانب أى ثمرة.

وكانت هذه المعاملة السيئة للموالى سببا فى اضطغانهم على العرب، أو بعبارة أدق على الدولة الأموية، فشاركوا الخوارج والشيعة فى الثورة عليها، يأخذ فريق منهم يمثلهم إسماعيل (٣) بن يسار النسائى يفاخر العرب بحضارة أمته الفارسية وملوكها


(١) أغانى ٤/ ٧.
(٢) البيان والتبيين ٢/ ٣٣.
(٣) أغانى ٤/ ٤١٠ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>