للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ورّى محيى الدين بكلمة قرقف وهو الماء البارد الصافى عن الخمر وهو اسم من أسمائها، واستتم الصورة إذ جعل أنهار الروضة خمرا مسكرة بأن الحمام فيها أخذه السكر، بل إن الأغصان نفسها التى رويت من تلك الأنهار سكرت فرقصت، فلا عجب أن يشدو الحمام شدوا عاليا.

وأنشد الحموى فى خزانته لابن قرناص مقطعات بديعة كثيرة فى الرياض ومثله الوداعى، وهو يكثر من التورية كثرة مفرطة.

ويظل الغرضان: وصف الخمر ووصف الطبيعة حيّين طوال أيام المماليك وبالمثل أيام العثمانيين من مثل قول على بن محمد الحشرى الشامى المتوفى سنة ١٠٩٠ للهجرة (١):

قم هاتها وضمير الليل منشرح ... والبدر فى لجّة الظلماء مستبح

عجّل بها وحجاب الليل منسدل ... من قبل يبدو لنا فى وكره الصّبح

واستضحك الدهر قد طال العبوس به ... لا يضحك الدهر حتى يضحك القدح

ولا يطيب الهوى يوما لمغتبق ... حتى يكون له فى اليوم مصطبح

وهو يخاطب ساقيا أن يناوله كأس الخمر والليل من حوله، مبتهج وأضواء البدر تلمع فى جوانبه ويطلب إليه أن يسرع بها وحجاب الليل منسدل عليه قبل أن يرفرف الصبح بجناحيه فيملأ الدنيا أنوارا. ويقول إن الدهر لا يقبل عليه ويضحك إلا إذا ضحك الكأس فى يده، ويزعم أن الهوى لا يطيب لمن يشرب الخمر غبوقا وهو شربها بالعشى حتى يكون له منها صبوح وهو شربها فى الصباح. ونقف عند نفر من شعراء الطبيعة واللهو.

الوأواء (٢) الدمشقى

هو محمد بن أحمد الغسانى المشهور بالوأواء الدمشقى، من أهل دمشق، ولد بها ونشأ، وكان ابنا لشخص من عامة الشعب. يدل على ذلك ما رواه الثعالبى فى اليتيمة من أنه لقبّ بالوأواء لأنه كان مناديا بسوق الفاكهة، أو كما كانوا يسمونها دار البطيخ، ينادى على الفواكه جلبا للمشترين. وقد ذكرنا مرارا فى حديثنا عن الشعراء أنهم-فى أغلب الأمر-كانوا من عامة الشعب وكانت لهم ملكات هيأتهم لنظمه بل للتفوق فيه. يلقانا ذلك فى بغداد وفى القاهرة وفى


(١) نفحة الريحانة ٢/ ٣٥١
(٢) انظر فى الوأواء وشعره اليتيمة ١/ ٢٧٢ والمحمدون من الشعراء للقفطى وفوات الوفيات ٢/ ٣٠١ وديوانه طبعه المجمع العلمى العربى بدمشق بتحقيق د. سامى الدهان وراجع مقدمته له.

<<  <  ج: ص:  >  >>