للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميع بلدان العالم العربى. ومكّن لهم ذلك أن التعليم كان يعقد بالمساجد، وكانت دائما هى وحلقات الشيوخ مفتوحة للناشئة ينهلون منها كما يريدون، فكان من له استعداد حسن للتعلم من أبناء العامة ما يزال يتردد عليها حتى يحسن ما يريد من الفقه مثلا أو من رواية الشعر. ودائما كان يتخرج فى هذه الحلقات كثيرون شعراء وغير شعراء على نحو ما تخرج الوأواء المنادى على الفاكهة فى حلقات الشيوخ بمساجد دمشق.

وليس بين أيدينا ولا فى ديوان الوأواء ما يوضح متى ولد. وأيضا ليس فى الديوان أخبار وأحداث تاريخية تصور حياته، وكل ما فيه أنه لزم شريفا من سادة دمشق ووجهائها يمدحه، وأنه أعطاه فى أول مدحة له عشرين دينارا، فأخذ يشتهر اسمه بين الشعراء. ومدحه بثلاث قصائد أخرى، دل فيها على شاعرية جيدة، ويذكرون أن اسم هذا الشريف العقيقى أحمد بن الحسين العلوى، فهو من أشراف العلويين وربما كان نقيبهم بدمشق. ويقول صاحب النجوم الزاهرة إنه كان جوادا ممدّحا، وكان على صلة بسيف الدولة فى أول إمارته لحلب فى العقد الرابع من القرن الرابع الهجرى. وربما كان هو الذى قدّم الوأواء إليه حين زار دمشق بين سنتى ٣٣٣ و ٣٣٤. وفى ديوانه ثلاث قصائد فى مديحه، ولذلك عدّ من شعرائه. ومن عطايا سيف الدولة والعقيقى أخذ الوأواء يعيش للشعر متكسبا به، وكانت فيه نزعة قوية للمتاع بالحياة، مما جعل أكثر شعره يدور حول محاور ثلاثة: الغزل والخمر ووصف الطبيعة، وكثيرا ما يمزج بينها جميعا مثل قوله فى الفصيدة الأولى من ديوانه:

حاز الجمال بأسره فكأنما ... قسمت عليه محاسن الأشياء

متبسّم عن لؤلؤ رطب حكى ... بردا تساقط من عقود سماء

تغنى عن التفاح حمرة خدّه ... وتنوب ريقته عن الصّهباء

فامزج بمائك نار كأسك واسقنى ... فلقد مزجت مدامعى بدمائى

واشرب على زهر الرياض مدامة ... تنفى الهموم بعاجل السّراء

لطفت فصارت من لطيف محلّها ... تجرى مجارى الروح فى الأعضاء

والوأواء معروف بكثرة تصاويره فى أشعاره، فساقيته الخمر تبتسم عن أسنان لؤلؤية كأنها حبات برد تساقطت من عقود فى السماء، وحمرة خدها نضرة كحمرة التفاح، وريقها كأنه الصهباء أو الخمر. ويطلب إليها أن تمزج الخمر الحمراء بالماء كما امتزجت مدامعه بالدماء. ويقول لصاحبه اشرب على زهر الرياض الذكى الرائحة تلك الخمر التى تجلب السرور كما يقول، ويزعم

<<  <  ج: ص:  >  >>