للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يفخر بأن من يوده يجده أقرب إليه من ماء عينيه، ومن يؤثر بغضه يقطع كل صلة تصله به، ولا أرى من صديقى إلا ما يزينه وأتغاضى عن كل ما يشينه، ولا أصغى إلى كلمة سيئة تقال عن أحد، وأرى-حين تقال-كأنى أصم لا أسمع شيئا، ولا تستفزنى حماقة الأحمق ولا أقترف عملا سيئا ولا خسيسا ذميما. وكان الشعر بتدفق على لسانه، توفى سنة ١٢٨٦ هـ‍/١٨٧٠ م.

[(ب) شعراء الهجاء]

الهجاء فن قديم منذ الجاهلية كانوا يصبونه على خصومهم وخصوم قبائلهم، ولم يكد يسلم منه شريف فى الجاهلية، لكثرة ما كان بين القبائل من حروب ومنافسات. وبمقدار شرف القبيلة وأمجادها ومآثر سادتها وفرسانها ومناقبهم يكون هجاؤها وما ينزل بها من سهامه، واتصل هذا الهجاء فى الإسلام وطوال العصور، والمظنون أنه كان كثيرا فى موريتانيا بسبب كثرة الحروب بين عشائرها وقبائلها واستخدامه سلاحا يغض من شأن القبيلة المعادية وسادتها وشيوخها. ويقول الدكتور محمد المختار إنه تجنب أن يكثر منه فى كتابه الشعر والشعراء فى موريتانيا خوفا من إثارة الحفيظة فى المجتمع الموريتانى المعاصر ولم يصرح بذلك الشنقيطى فى كتابه الوسيط فى تراجم أدباء شنقيط، غير أنه-فيما يبدو-كان يرى رأى الدكتور محمد المختار، ولذلك لم يأت منه إلا بأمثلة قليلة، حتى عند شاعر هجّاء كبير من شعراء الجيل الأول فى صدر القرن الثانى عشر الهجرى هو المصطفى بن أبى محمد المشهور بلقب بوفمين (١) المجلسى، يقول: «كان هجاء ما نجا منه أحد» ثم يذكر أنه هجا إيدا بلحسن بقصيدة طنانة مطلعها:

أيحسب أن لا يزأر الأسد الورد ... ذئاب عوت لما تغافلت الأسد (٢)

ومنها:

وعقل الذى منهم يشدّ عمامة ... كعقل الذى منهم يشدّ له المهد (٣)

ولا يضيف إليه أبياتا أخرى من القصيدة، ويذكر الشنقيطى أنه نزل يوما عند قبيلة إنتاب فى موضع يقال له إنجول فلم يكرموه ولا اكترثوا به فقال يهجوهم:

دهر الدهارير لا أقمت فيه لدى ... إنتاب يوما ولا بقرب إنجول (٤)

يوم الإقامة فيهم خلته ظمأ ... يوم القيامة إذ يحكيه فى الطول

حتى تذكرت أنّ الناس قاطبة ... إذن تسال وأنى غير مسئول


(١) انظر ترجمته عند الشنقيطى ص ٣٤٨.
(٢) الورد: الأشقر.
(٣) الذى يشد عمامة: الشيخ.
(٤) دهر الدهاهير: أول الدهر فى الزمن الماضى.

<<  <  ج: ص:  >  >>