للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالقضاة والجباة والكفاة والولاة منزّلين على أرزاق تتساوى، وأحوال فى المراتب تتدانى، وذلك أن رزق القاضى وصاحب البريد والعامل على جباية الأموال من البنادرة (المدن) ووالى الصلاة والمعونة وراتبهم واحد بقدر كل ناحية وحسب كل كورة، وليس ينقص بعضهم عن بعض». وهى شهادة قيمة من شاهد عيان غير متحيز، إذ كان ابن حوقل شيعيا إسماعيليا، وكان السامانيون سنيين، خصوما لشيعته، ومع ذلك يشهد لهم شهادة صدق بالعدل الذى لا تصلح حياة الرعية بدونه، كما يشهد لهم بحسن الإدارة وتنظيم الدولة وتسويتهم بين موظفيها فى الأرزاق والرواتب، مما جمعهم لهم على الإخلاص والتفانى فى خدمتهم.

وخلف منصورا ابنه نوح الثانى (٣٦٦ - ٣٨٧ هـ‍.) وكان صغيرا لا يتجاوز عمره ثلاث عشرة سنة، وكأنما كان ذلك نذيرا بتضعضع شئون الدولة، فقد أخذ القرخانيون حكام الترك بين فرغانة وحدود الصين ينازلون السامانيين فيما وراء النهر، وكانوا قد أبلوا فى حربهم قبل ذاك طويلا، وبنوا على حدودهم معهم ربطا كثيرة، حتى إذا ولى نوح وهو غلام استفحل خطر الترك وأخذوا يكثرون من الإغارة على السامانيين، وكان عبد الملك أبوه قد ولّى ألبتكين قائد جيوشه أمر غزنة، فاستعان بمملوكه سبكتكين، ولم يلبث أن خلفه على ولايته وأدارها إدارة حسنة، فولّى نوح الثانى ابنه محمودا الغزنوى خراسان، وتوفّى نوح، واضطربت الأمور بعد وفاته، بين ابنيه منصور وعبد الملك، وعلت كفة الأخير، غير أن إيلك خان حاكم الترك القرخانيين أغار على بخارى وأخذ عبد الملك أسيرا، فخلا الجو لمحمود الغزنوى، وضم خراسان إلى ممتلكاته سنة ٣٨٩ وبذلك انتهت الدولة السامانية.

الدولة البويهيّة (١)

لما خرج فرسان الديلم وبعض قوادهم لامتلاك البلاد لم يخرجوا إلى جنوبى بحر قزوين موطنهم فقط، بل تغلغلوا فى إيران، وكان فى مقدمة من خرجوا على بن بويه وأخواه الحسن وأحمد، وعملوا أولا-كما مر بنا فى قسم العراق-مع القائد الديلمى ما كان بن كاكى، حتى إذا هزمه مرداويج الزّيارى حاكم طبرستان وجرجان تركوه إلى خصمه قائلين له-كما روى ابن مسكويه- «الأصلح لك مفارقتنا إياك لتخفّ عنك مئونتا، ويقع كلّنا (عبئنا) على غيرك، فإذا تمكنت عاودناك». ووقع على بن بويه من مرداويج موقعا حسنا


(١) انظر فى الدولة البويهية المصادر المذكورة فى الفصل الأول من قسم العراق

<<  <  ج: ص:  >  >>