وما يصور من تعاليم الشريعة، وتاريخ الرسول والخلفاء الراشدين والفتوح الإسلامية والأمة العربية، وكان من هؤلاء الشيوخ من يقدّم فى دروسه أوليات المواد والعلوم فى الدراسات الدينية والدراسات النحوية واللغوية وكأنه هو ومن يماثلونه يشبهون معلمى التعليم الثانوى فى عصرنا، حتى إذا أتقنها الناشئ وفقهها حق الفقه انتقل إلى حلقات شيوخ أعلى فى المستوى العلمى، يلقون محاضرات متعمقة فى تفسير الذكر الحكيم، ويقرءون-ويشرحون-بعض كتب الحديث النبوى المهمة، ويلقون على الطلاب كتاب الموطأ لمالك أو ما يماثله حتى يتسع فهمهم وفقههم لتعاليم الإسلام فى فروض الدين ووجوه المعاملات، ويحاضرونهم فى قواعد العربية، ويقرءون لهم بعض كتبها المهمة مع الشرح والتفسير، كما يقرءون لهم بعض كتب الشعر والنثر محاولين أن يغرسوا فى نفوسهم السليقة العربية وأن يصبحوا قادرين على نظم الشعر والكتابة الأدبية. ومع مر الزمن أخذت تلك الحلقات الكبرى وخاصة فى الجامع الأعظم أو الكبير بالمدينة تدرس علوم أصول الفقه والكلام والمنطق والطب والفلسفة، وبذلك كان الجامع الأعظم فى كل مدينة جزائرية يعد جامعة كبرى لدراسة العلوم النقلية والعقلية. وكانت تلحق به وببعض المساجد أبنية أو زاوية بها غرف معدة بالأثاث والفرش اللازمة لسكنى الطلاب من خارج المدينة وبعض الشيوخ، ويقوم عليها من يعدّ لهم الطعام ومن يخدمهم. وكان ينفق على الجوامع والمساجد من أوقاف محبوسة وكان أهل الثراء والسعة فى الرزق يتنافسون فيما يحبسون عليها من عقارات. ومن التوابع الضرورية للجوامع والمساجد الثريات والمصابيح المضيئة والميضات للوضوء والطهارة.
[المدارس]
بجانب الجوامع والمساجد أخذت تنشأ منذ عصر الحفصيين فى القرن السابع الهجرى المدارس فى القسم الشرقى من الجزائر الذى كان تابعا لهم، أسوة بما أسسوا من مدارس فى عاصمتهم تونس، حتى إذا استولت دولة بنى زيان على مقاليد الحكم عنى بعض حكامها بتشييد المدارس فى عاصمتهم تلمسان، وأوقفوا عليها الأوقاف الكثيرة. وأول مدرسة أسسوها مدرسة أولاد الإمام أسسها أبو حمو موسى الأول (٧٠١ - ٧١٨ هـ) للفقيهين أبى زيد وأبى موسى ابنى الإمام الخطيب أبى عبد الله، وأسس بعده ابنه أبو تاشفين عبد الرحمن الأول (٧١٨ - ٧٣١ هـ) المدرسة التاشفينية، وأسس أبو حمو موسى الثانى (٧٦٠ - ٧٩١ هـ) المدرسة اليعقوبية، وأسس أحمد العاقل مدرسته الجديدة ووقف عليها أوقافا جليلة، وأسس أبو الحسن مدرسة خامسة بالعباد ضاحية تلمسان. ويذكر الحسن الوزان فى كتابه: وصف إفريقيا أنه شاهد بتلمسان حين زيارته لها حوالى سنة ٩٢٠ للهجرة خمس مدارس بديعة حسنة البنيان جدا (لعلها المدارس السابقة) ومزدانة بالبلاط الملوّن وسواه من الأعمال الفنية. وأخذت