للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - الدين (١)

كان بربر القطر التونسى-مثل بقية البربر فى الأقطار المغربية-وثنيين يعبدون الشمس والقمر والكواكب السيارة ويقدمون لها القرابين، وكانوا يقدسون كثيرا من الأحجار والأشجار، وكان القرطاجيون وثنيين مثلهم، ويبدو أنهم أخذوا يفسحون لليهود فى النزول بقرطاجة منذ القرن الثالث قبل الميلاد، ولم يلبثوا أن عملوا على نشر اليهودية بين البربر، ولم يعتنقها إلا قليلون من البدو، وأخذ اليهود يفدون على القطر التونسى بعد تحطيم الإمبراطور تيتوس لمعبد بيت المقدس سنة ٧٠ للميلاد حتى إذا كان الفتح العربى أخذوا يتكاثرون-مع السنين-فى القيروان حتى كان لهم فيها حارة-أو كما نقول الآن حىّ-وكان لهم مقبرة خاصة بهم، وأيضا كان لهم سوق يسمى سوق اليهود، وكان لهم معبد يؤدون فيه شعائرهم الدينية، وكل ذلك بفضل الإسلام وما بثه فى المسلمين من روح التسامح مع أهل الكتب السماوية، وصدورا عن هذه الروح كان علماؤنا المتعمقون فى علوم الأوائل يفسحون لهم فى التلمذة عليهم وفى أخذ ما عندهم من هذه العلوم وما أضافوه إليها، مما جعل نفرا منهم فى القيروان يتزودون من معارف أطبائها المسلمين ما أتاح لهم أن يصبحوا من كبار الأطباء على نحو ما سنعرف فى فصل الثقافة.

وكانت المسيحية قد أخذت تنتشر منذ القرن الثانى للميلاد فى قرطاجة وبعض بلدان القطر التونسى عن طريق بعض القساوسة من قبط مصر الذين حاولوا الدعوة لها مبكرين، وبذلك عرفت فيها-أو أسست-كنيسة العقيدة الأرثوذكسية المصرية. وبعد ذلك حين اعتنقت روما العقيدة المسيحية أخذت تعمل على نشرها لا فى إيطاليا وحدها بل أيضا فى الولايات التابعة لها، واتسع العمل على ذلك منذ عهد الإمبراطور قسطنطين واستيلائه فى روما على أزمة الأمور سنة ٣١٢ للميلاد إذ أعلن المسيحية دينا رسميا للدولة وأخذ يعمل على نشرها فى قرطاجة وإفريقيا، وبذلك أصبح للمسيحية فى القطر التونسى كنيستان: الكنيسة الأرثوذكسية القبطية السابقة،


(١) انظر فى اليهود والنصارى كتاب ورقات للأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب فى مواضع متفرقة وبرنشفيك ١/ ٤٢٩ وما بعدها وكتاب تاريخ المغرب الكبير لدبوز وراجع فى الحركة الإسلامية كتب التاريخ وخاصة البيان المغرب لابن عذارى ومعالم الإيمان لابن ناجى ورياض النفوس للمالكى وتاريخ ابن خلدون وخلاصة تاريخ تونس لحسن حسنى عبد الوهاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>