للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما نقول إنه هجاء خفيف لأن فيه شيئا من الدعابة، إذ يقول إن ما يأخذه منهم من النوال بيمينه يدفعه لأبنائهم بيساره. ومن هجائه المقذع اللاذع قوله فى بعض مهجوّيه:

أعد الوضوء إذا نطقت به ... متذكّرا من قبل أن تنسى

واحفظ ثيابك إن مررت به ... فالظّلّ منه ينجّس الشّمسا

وكأنه يصفه بدنس لا يماثله دنس وقذارة لا تشبهها قذارة، وهو غلو فى الإقذاع والإيلام. وفى أهاجيه فحش كثير. وتردد ابن سعيد فى المغرب فى نسبة موشح له وقال إنه لابن المرينى ويروى لليكى مما يدل على أنه شارك فى نظم الموشحات.

على (١) بن حزمون

هو أبو الحسن على بن عبد الرحمن بن حزمون، من المريّة، يقول فيه ابن سعيد:

«صاعقة من صواعق الهجاء» ويقول ابن عبد الملك المراكشى: «كان شاعرا مفلقا ذاكرا للآداب والتواريخ أحد بواقع (٢) الدهر، بذئ اللسان مقذع الأهاجى». ومر بنا فى حديثنا عن شعراء المديح أنه كان أحد من مدحوا المنصور يعقوب الموحدى بعد قفوله من غزوة الأرك المظفرة سنة ٥٩١ وقد وقعت قصيدته من المنصور موقع استحسان، وأنشدنا منها قطعة هناك، ويذكر ابن عبد الملك المراكشى أنه وفد على المستنصر الموحدى (٦١٠ - ٦٢٠ هـ‍) بمراكش مادحا له ومتظلما من واليه المجريطى على مرسية لضربه بالسياط لما بلغه من هجائه له، وتبرأ للمستنصر مما نسب إليه من ذلك، فأمر بتمكينه من الوالى وتحكيمه فيه حتى ينتصف منه، غير أن ابن حزمون لم يكد يصل إلى الأندلس حتى توفى المستنصر فلم يتم له أمله من القصاص من الوالى واشتدّ أسفه.

ويبدو أنه عاش فترة غير قصيرة بعد وفاة المستنصر. وله مرثية رائعة لقائد الأعنة بمرسية سنعرض لها فى غير هذا الموضع، وجرّه هجاؤه إلى التعرض لأحد قواد الأندلس، واسمه محمد بن عيسى، بهجاء لاذع، زاعما أنه فرّ فى إحدى المواقع مع النصارى قائلا:

يودّ بأن لو كان فى بطن أمّه ... جنينا ولم يسمع حديثا عن الغزو


(١) انظر فى ترجمة ابن حزمون وشعره المعجب ص ٣٧٠ وما بعدها وزاد المسافر ص ٦٤ والمغرب ٢/ ٢١٤ وما بعدها وأزهار الرياض ٢/ ٢١١.
(٢) بواقع جمع باقعة: داهية.

<<  <  ج: ص:  >  >>