للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان المرابطون يضعون اللثام على وجوههم، ولذلك سموا الملثمين، ونراه يعلل لاتخاذهم اللثام بمثل قوله:

لمّا حووا إحراز كلّ فضيلة ... غلب الحياء عليهم فتلثّموا

فى مدحة بلغ بها غاية رضاهم، ثم عاد إليه طبعه وما فطر عليه من الهجاء المقذع، فهجاهم وقدح فى أخلاقهم ولثامهم راميا لهم بالدناءة ونقص العفاف قائلا:

فى كلّ من ربط الّلثام دناءة ... ولو أنه يعلو على كيوان (١)

لا تطلبّن مرابطا ذا عفّة ... واطلب شعاع النار فى الغدران

وفى نفس هذه المقطوعة ومقطوعة ثانية ما هو أكثر بذاءة، وكأنه نسى-كأندلسى- أن الملثمين هم الذين أنقذوا الأندلس من وقوعها فى براثن النصارى الشماليين، ولم تكن موقعتهم المظفرة بالزلاّقة التى سحقوهم فيها سحقا ببعيدة. وربما هجاهم بعد زوال دولتهم وقيام دولة الموحدين، غير أن ذلك لا يشفع-إن صح-له. وعلى شاكلته هجاؤه لأهل فاس بعد أن أكرموه بمثل قوله:

يا أهل فاس لقد ساءت ضمائركم ... فأصبحت فيكم الآراء متّفقه

وربما اجتمعت فى بعض سادتكم ... نقائص أصبحت فى الناس مفترقه

ويتمادى فى البذاءة بهذه المقطوعة ومقطوعات أخرى، وكأنما يحصى عيوب نفسه، وبالمثل ما أحصاه من خصال عشرة ذميمة للفقيه وزوجته، وما وصم به قاضى بلدته:

مرسية من جوره وأكله أموال اليتامى وأموال المساجد سرقة وغصبا، يقول:

يطالبه الأيتام فى جلّ مالهم ... ويطلبه فى حقّه كلّ مسجد (٢)

والهجاء حين ينزل إلى هذا الدّرك أو إلى هذا المنحدر لا يصبح من الفن والشعر فى شئ، إذ يصبح سبّا وقذفا مذموما. وربما كان أخفّ ما هجا به أهل فاس قوله:

قصدت جلّة فاس ... أسترزق الله فيهم (٣)

فما تيسّر منهم ... دفعته لبنيهم


(١) كيوان: كوكب زحل وهو كوكب نحس وشؤم.
(٢) جل: معظم.
(٣) جلّة: أجلاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>