الملك وزير ألب أرسلان فى النصف الثانى من القرن الخامس الهجرى إذ بنى طائفة من المدارس فى العراق وإيران سمّيت كل منها باسم المدرسة النظامية، وكانت أشبه بجامعات يحاضر بها الأساتذة فى فروع العلوم المختلفة، ولهم فيها مساكن ورواتب معلومة وللطلاب نفقات تكفيهم، ولكل مدرسة مكتبة نفيسة. وأخذت تتكاثر المدارس فى البلدان العربية منذ القرن السادس الهجرى، ويشيد التجانى وغيره من الرحالة الذين زاروا طرابلس بمدرسة بديعة قام على بنائها بين سنتى ٥٥٥ و ٥٥٨ الفقيه الطرابلسى عبد الحميد بن أبى البركات بن أبى الدنيا. ونمضى إلى القرن السابع وكانت طرابلس تتبع الدولة الحفصية التى عنيت ببناء المدارس فى تونس وأرجاء دولتها، ويبدو أنه بنيت فى عهدها بطرابلس مدارس متعددة بشهادة التجانى فى رحلته إذ يذكر أن بطرابلس مدارس متعددة أو كما يقول مدارس كثيرة. ويذكر الشماخى فى كتابه السير وعلى يحيى معمر فى كتابه الإباضية فى موكب التاريخ مدارس متعددة للإباضية بنوها فى جبل نفوسة. ومع أن العثمانيين فى زمن حكمهم لطرابلس وليبيا لم يكونوا يولون الحركة العلمية العناية الواجبة نجد بعض ولاتهم يعنون ببناء بعض المدارس، يتقدمهم فى ذلك مراد أغا إذ بنى مدرسة بمدينة تاجوراء، ولا بد أن هؤلاء الولاة بنوا مدارس متعددة فى البلاد، ويذكر أن عثمان الساقزلى بنى مدرسة بطرابلس قرب باب البحر، كما يذكر أن أحمد القرمانلى بنى مسجدا كبيرا وألحق به مدرسة. ولا بد أن مدارس تركية متعددة أنشئت فى بلدان طرابلس وأيضا فى بلدان برقة حين انفكت عن تبعيتها للقاهرة، وكانت تتبعها منذ العصر الفاطمى إلى أن ضمها إلى ولاية طرابلس محمد الساقزلى. وبدون ريب ساعدت المدارس فى النشاط العلمى بتلك الديار، ولو أنه كان فى العصر العثمانى نشاطا محدودا.
[(و) الزوايا]
عرفت المغرب الزوايا وأخذت تستكثر منها منذ القرن السابع الهجرى، وكانت الزاوية تتكون من قاعة ومحراب للصلاة وغرفة لتحفيظ القرآن أو تلاوته وبعض غرف للضيوف والطلبة وبعض الزوار ممن ينزلون بها مع ما تحتاج إليه من المرافق. وكان بعضها يتسع فى مبانيه، حتى تصبح الزاوية كأنها مسجد يموج بطلابه وزواره، وكان يكثر أن يكون لشيخها ضريح يدفن فيه، ومن فوقه قبة كبيرة. وتحوّل كثير من الزوايا إلى ما يشبه دور علم مع ما تتيحه من العبادة والنسك، ويتحدث التجانى الذى نزل بطرابلس فى أوائل القرن الثامن الهجرى عن زاوية أولاد سهيل وعنايتها بتحفيظ القرآن وما بها من كتب كانت موقوفة على الطلاب وما كان لهم بها من غرف للسكنى. ومن أشهر زوايا ليبيا زاوية عبد السلام الأسمر بمدينة زليطن، وكانت تعنى- مع تحفيظ القرآن الكريم-بالعلوم الدينية، وكان بها حجر كثيرة لسكنى الشيوخ والطلاب، وقد أسسها صاحبها سنة ٩٠٠ هـ وظل الطلاب يؤمونها بعده من أنحاء ليبيا وغيرها، وكانت