للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم تلبث الثورة عليهم أن اندلعت، وقوّضت حكمهم سنة ١٣٢ للهجرة بين عويل كثير من الشعراء وبكائهم، على نحو ما أسلفنا عند أبى عطاء السندى ونقف الآن عند شاعرين مهمين من شعرائهم.

عبد الله (١) بن الزّبير

كوفى المنزل والمنشأ من بنى أسد «كان من شيعة بنى أمية وذوى الهوى فيهم والتعصب والنصرة على عدرهم» ونراه يلهج بالشعر منذ خلافة معاوية، وحدث أن فسد ما بينه وبين عبد الرحمن بن أم الحكم واليه على الكوفة فأخذ يهجوه، ويقال إن يزيد بن معاوية هو الذى كان يغريه على ذلك، إذ كان يبغض ابن أم الحكم، ولما طلبه استجار منه بمروان بن الحكم وهو على المدينة فأجاره، ومدحه. ونراه يمدح عمرو بن عثمان مديحا رائعا، إذ يقول:

سأشكر عمرا إن تراخت منيّتى ... أيادى لم تمنن وإن هى جلّت

فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النّعل زلّت

رأى خلّتى من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلّت (٢)

ويمدح أسماء بن خارجة، ويقال إنه شفع له عند ابن أم الحكم، فعفا عنه، ولم يكتف أسماء بذلك فقد وصله وجعل له ولعياله عطاء دائما، مما جعله يشيد به بمثل قوله:

ولا مجد إلا مجد أسماء فوقه ... ولا جرى إلا جرى أسماء فاضله

فتى لا يزال الدهر ما عاش مخصبا ... ولو كان بالموماة تخدى رواحله (٣)

وعزل ابن أم الحكم عن الكوفة وضمّت إلى عبيد الله بن زياد مع البصرة، فلزمه يمدحه وينوّه به فى قصائد كثيرة، ومن قوله فيه:

تصافى عبيد الله والمجد صفوة ال‍ ... حليفين ما أرسى ثبير ويثرب (٤)

وأنت إلى الخيرات أولّ سابق ... فأبشر فقد أدركت ما كنت تطلب


(١) انظر فى ترجمته الأغانى (طبع دار الكتب) ١٤/ ٢١٧ وما بعدها والخزانة ١/ ٣٤٥ ومعاهد التنصيص ١/ ٢٠.
(٢) الخلة: الحاجة والخصاصة. والقذى: ما يقع فى العين.
(٣) الموماة: المفازة. تخدى الناقة: تسرع فى سيرها.
(٤) ثبير: جبل يظاهر مكة. يثرب: مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>