الكريم. وفى عصر الدولة الحفصية تجد الحركة العلمية تزدهر بفضل رعاية الدولة لها وما أنشأت من مدارس شارك فيها المهاجرون الأندلسيون إلى تونس، وأول مدرسة أسّستها هذه الدولة مدرسة الشماعية أسسها أبو زكريا أول حكامها، وأسست الأميرة عطف أرملته المدرسة التوفيقية، وأسس أبو زكريا بن السلطان أبى إسحاق مدرسة ثالثة هى مدرسة المعرض بسوق الكتبيين، وأسست أخت السلطان أبى بكر مدرسة رابعة، وأسس الوزير ابن تافراكين مدرسة خامسة، وأسس السلطان أبى عبد الله بن أبى فارس المدرسة المنتصرية، وتوفى قبل أن تتم فأتم بناءها أخوه أبو عمرو عثمان على أكمل بناء وأتقنه ووقف عليها وقفا كافيا. ونمضى إلى العهد العثمانى، ويظل للحركة العلمية نشاطها وخاصة حين قدم إلى تونس المهاجرون الأندلسيون سنة ١٠١٦ هـ/١٦٠٩ م ويؤسس مراد باى الثانى مدرسة عرفت بالمرادية فى سوق القماش. وأسس الباي حسين بن على ثلاث مدارس: الحسينية والنخلة والمدرسة الجديدة، وأسس مدارس أخرى بالقيروان وسوسة وصفاقس ونفطة، وأسس ابن أخيه على أربع مدارس: الباشية فى سوق الكتبيين والسليمانية ومدرسة بير الحجار ومدرسة حوانيت عاشور.
وبلغت المدارس فى تونس بأخرة من هذا العهد العثمانى عشرين مدرسة.
[(د) المكتبات]
ومما عمل على أن تظل الحركة العلمية نشيطة فى القيروان وتونس وغيرهما من بلاد إفريقية التونسية على توالى الأزمنة تأسيس المكتبات العامة وفى الجوامع والمدارس والزوايا. وكانت دائما مفتوحة الأبواب للشيوخ والطلاب يفيدون منها، وفى مقدمتها المكتبة العتيقة بجامع عقبة فى القيروان، ولا بد أن كان الشيوخ فى القرنين الثانى والثالث للهجرة يهدون إليها نسخة أو أكثر من مؤلفاتهم، واهتم الأغالبة بها ووقفوا عليها كتبا كثيرة، ومثلهم الأعيان وأصحاب اليسار، ولا تزال إلى اليوم تموج بنفائس المصاحف المزخرفة وأمهات الكتب فى الفقه والتفسير والحديث والقراءات واللغة والأدب. ولما أنشأ إبراهيم الأغلبى الثانى بيت الحكمة برقادة أسس فيه مكتبة ضخمة وأخذ يجمع إليها ذخائر الكتب وروائعها فى علوم الأوائل وغيرها من العلوم الدينية واللغوية، وحين بنى عبيد الله المهدى مدينة المهدية نقل إليها كثيرا من روائع الكتب فى هذه المكتبة، وأسس حفيده المنصور مكتبة فى مدينة المنصورية وجلب إليها آلاف المخطوطات، ونقل المعز منها ومن مكتبة جده المهدى كثيرا مما كان بهما من المؤلفات معه إلى القاهرة غير أن بقية فيهما من الكتب ظل ينتفع بها طلاب العلم والعرفان. ومن المؤكد أن سوق الوراقين الذين ينسخون الكتب كانت رائجة، ويروى عن حمدون بن مجاهد الكلبى أنه قال:«كتبت بيدى ثلاثة آلاف وخمسمائة كتاب» كما يروى عن أبى العرب التميمى صاحب كتاب طبقات علماء إفريقية وتونس أنه قال: «كتبت بيدى أربعة آلاف كتاب» واشتهر كثيرون بتكوينهم لأنفسهم