للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السالفة، وهما صفتان للرسول صلّى الله عليه وسلّم يتغنى بهما الشعراء فى مديحه، ويتصوره حياته، وكأنه هو الذى يدبرها، إنه نور حياته، ويقول إنه يطلب رضاه على نحو ما يطلب المسلمون رضا ربهم. وكأنى به يظن أنه هو الذى سيمنحه عفو الله يوم حلوله فى قبره. وهى مبالغات ستتضخم فيما بعد عند ابن هانئ الشاعر الأندلسى فى مديحه للمعز الفاطمى وترهاته ومبالغاته الملحدة فيه.

٣ - الشعراء فى عصر (١) الدولة الحفصية

عنيت هذه الدولة بالحركة الأدبية، وحظيت-لعهدها-بغير قليل من النشاط والانتعاش، وكان للشعر والشعراء من ذلك نصيب موفور، إذ فتحت الدولة الحفصية الأبواب للشعراء فى إفريقية التونسية وطرابلس كى يفدوا عليها مادحين، وينالوا جوائزها السنية، وكان مؤسسها أبو زكريا يحيى بن عبد الواحد شاعرا فسنّ للحكام الحفصيين من بعده نثر الجوائز والعطايا على الشعراء، مما جعلهم يتكاثرون. وسنترجم لثلاثة منهم: إباضى وطرابلسيين. وقد ثار عليه ثائر طرابلسى هو يعقوب بن أبى يعقوب سنة ٦٣٩ وقتل هو وأتباعه، وصلبت جثثهم بباب هوّارة، ونصبت رءوسهم فى تونس، فهنّأ أبا زكريا الحفصى بالقضاء على تلك الثورة شاعر طرابلسى يسمى أبا زيد عبد الرحمن بن محمد الأصولى بقصيدة طويلة صوّر فيها المصير المشئوم لهذا الثائر وصلبه: ملقبا له بالفاطمى:

لقد عجّلت للفاطمىّ فطامه ... وما سوّغته درّها البيض والسّمر

رجا رفعة فاعتاض فيها بمنصب ... نماه به للجذع منصبك الحرّ

يرى شرفات السور قد قمن حوله ... يصحن لأمر منه أكذبه الأمر

ضحى فلحرّ الشمس لعج إهابه ... وللريح لا للروح فى جسمه كرّ (٢)

وكم رام تشييد القصور فحلّها ... وأعظم ما يرجوه-لو أسعف-القبر

فدونك يا يعقوب عقبى منافق ... إلى النار عقباها، إذا ضمّك الحشر


(١) انظر فى الشعراء التالين رحلة التجانى، ما عدا فتح بن نوح، وانظر فيه الجزء الثالث من كتاب الإباضية فى موكب التاريخ لمعمر، وديوانه الملحق بكتاب الدعائم، والنشاط الثقافى فى ليبيا.
(٢) لعج إهابه: حرق جلده.

<<  <  ج: ص:  >  >>