للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الإمام أقام سنّة جدّه ... للمسلمين كما حذوت نعالها

أحيا شرائعها وقوّم كتبها ... وفروضها وحرامها وحلالها

وهدى به الله البريّة بعد ما ... طلب الغواة الظالمون ضلالها

إن الخلافة يا بن بنت محمّد ... حطّت إليك-عن النبىّ-رحالها

وهو يزعم أن الله-جلّ جلاله-يصلى على إمامه كما يصلى على نبيه، بل يزعم أنه يزيد صلاة إلى صلاة، ويقول إنه أقام سنّة جدّه حذوك النعل بالنعل أو كما نقول مطابقا لها أشد المطابقة، ويزعم له أنه أحيا الشريعة وقوّم كتبها وأزال عنها عوجها وانحرافها، كما قوّم فروضها وحلالها وحرامها، وكل تلك مبالغات شائنة، وكأنه يدبّر الدين الحنيف ويصرّفه، وقد هدى الله به الناس كما هداهم برسوله. ولم يسق ابن الأبار مديح القصيدة تامّا، ولعله صنع ذلك لما فى بقية القصيدة من مبالغات شديدة الإفراط فى تصوير قدسية المهدى، وحسنا صنع. وله فى القائم وقد فصده الطبيب أو بعبارة أخرى أخرج مقدارا من دم وريده للعلاج:

قل للطبيب الذى أوصى ليفصده ... رفقا ولا زلت بالإسعاد ترتفق

كيف استطعت ترى بالله طلعته ... ومن سنا نوره ما يشرق الأفق

أم كيف تخرج من كفّ تقبّلها ... دما ومنها بحار الجود تندفق

إنّي لأعجب من كفّ مسست بها ... خير الورى كيف لم ينبت بها الورق (١)

وهو يدعو فى البيت الأول للطبيب متلطفا أن يظل الإسعاد يرافقه ويجانس بين أول الشطر الثانى ونهايته جناسا سائغا، وما يلبث فى البيت الثانى أن يبالغ فى مديح القائم مبالغة مفرطة، إذ يجعل ضوء النور فى وجهه نور الأنوار الذى يعم الآفاق، وكأن نور وجهه من نور الله ومشكاته فى الكون. وحين أمر القائم أن يخرج فى ألف فارس ليحارب أبا يزيد مخلد بن كيداد الصفرى كتب إليه مودّعا:

وما ودّعت خير الناس طرّا ... ولا فارقته عن طيب نفس

وكيف تطيب نفسى عن حياتى ... أفارقها وعن قمرى وشمسى

ولكنى طلبت رضاه جهدى ... وعفو الله يوم حلول رمسى (٢)

فعاش مملّكا ما لاح شمس ... على الثّقلين من جنّ وإنس

وهو يجعله فى أول الأبيات خير الناس طرا، وكان قد جعله خير الورى فى آخر الأبيات


(١) الورق: الفضة
(٢) رمسى: قبرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>