عشيرة ثعل المشهورون منذ امرئ القيس بحذقهم فى رمى السهام، وهم مسلحون بالسيوف والرماح، يحمون نساءهم الفاتنات، الرابضات فى الخدور وكأنهن ظباء فى كناس تحوطه غابة ضخمة من الرماح، والأسد جثوم، والموت الأحمر ينتظر كل من يدنو أو يقترب.
ونقف عند شاعرين من شعراء الغزل فى العصر.
أبو الفرج (١) بن هندو
هو على بن الحسين بن هندو، وسقطت كلمة على من اليتيمة وصحح الاسم الثعالبى فى تتمتها. وكان من النابهين فى الطب والفلسفة والأدب والشعر، وله من الكتب مفتاح الطب والمقالة المشوقة فى المدخل إلى علم الفلسفة وكتاب الكلم الروحانية من الحكم اليونانية وهو مطبوع ومنشور بالقاهرة. وقد تتلمذ فى الفلسفة والطب على يد أبى الخير بن الخمّار وكان من أجل تلاميذه، ووفد على الصاحب بن عباد، فقرّ به إليه، وكان أحد كتاب الإنشاء فى ديوان عضد الدولة البويهى، وعاش بعده طويلا إلى أن وافته المنية بجرجان سنة ٤٢٠. وكان له ديوان شعر لم يصل إلينا، ويقول الثعالبى: «هو مع ضربه فى الآداب والعلوم بالسهام الفائزة، وملكه رقّ البلاغة والبراعة، فرد الدهر فى الشعر وأوحد أهل الفضل فى صيد المعانى الشوارد، ونظم القلائد والفرائد، مع تهذيب الألفاظ البليغة وتقريب الأغراض البعيدة وتذكير الذين يسمعون ويروون بقوله تعالى:{أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ}. وينشد له كثيرا من غزلياته وخاصة فى التتمة، من ذلك قوله:
تقول: لو كان عاشقا دنفا ... إذن بدت صفرة بخدّيه
لا تنكريه فإن صفرته ... غطّت عليها دماء عينيه
وهو برهان بديع، وطبيعى لمن درس الفلسفة أن يحسن التعليل، فصفرته متوارية فى خدّيه، تواريها دماء عينيه. وتكثر هذه العلل الطريفة فى غزله على شاكله قوله:
عارض ورد الغصون وجنته ... فاتفّقا فى الجمال واختلفا
يزداد بالقطف ورد وجنته ... وينقص الورد كلما قطفا
فوجنة صاحبته وردها غريب، ورد يزيده القطف، إذ يزداد خدها به خجلا واحمرارا، فيزداد الورد ويكثر ولا ينقص أبدا ولا تغيض حمرته، بل لا يزال يولّد فيه
(١) انظر فى ترجمة أبى الفرج بن هندو اليتيمة ٣/ ٣٩٤ وتتمة اليتيمة ١/ ١٣٤ والدمية ٢/ ٥٧ ومعجم الأدباء ١٣/ ١٣٦ وعيون الأنباء فى طبقات الأطباء لابن أبى أصيبعة (طبعة مكتبة الحياة-بيروت) ص ٤٢٩ وفوات الوفيات ٢/ ٩٥ وتاريخ حكماء الإسلام للبيهقى ٩٣ - ٩٥.