وهو يواسى من يحسّون بأنهم مظلومون فى دنياهم لم ينالوا حظهم الطبيعى من الرزق والعيش الكريم، بينما المغمورون يعيشون فى بحبوحة من الثراء والنعيم. ويقول إن النسيم المنعش الصحيح يدعى عليلا واللديغ يدعى سليما من تسمية الأضداد، ولعل فى ذلك بعض المواساة للمظلومين المحرومين. ويقول:
رويدك إن بعد الضّيق مخرج ... وصبرك عنده أبهى وأبهج
وكم من كربة عظمت وجلّت ... وعند حلولها الرحمن فرّج
وهو يدعو إلى الصبر عند الشدة والضيق إذ لا بد من رباطة الجأش دون أى تبرم ودون أى خور وضعف ودون أى يأس، مع الاعتصام بالله والأمل الدائم فى رحمته، وأنه لا بد كاشف الكرب والأهوال مهما اشتدت وإن فرجه لقريب، وإنه لدائما مع الصابرين الذين لا ييأسون أبدا من عونه. ولابن الجزرى وراء هذه الحكم وما يماثلها فى أشعاره-كما قدمنا-مدائح كثيرة، وله فيها أبيات بديعة من مثل قوله:
يلبّيك من قبل السؤال نواله ... ويأتيك دون الإنتظار نضاره
وله أبيات مختلفة فى الشكوى من الناس والأصدقاء، وفى غزله أبيات كثيرة جيدة، وقد كان شاعرا محسنا مجوّدا.
[٦ - شعراء التشيع]
مرّ بنا فى حديثنا عن التشيع أنه عرف فى سلمية بالشام مع حركة عبد الله بن ميمون القدّاح حوالى منتصف القرن الثالث الهجرى الداعى لمذهب الإسماعيلية المعروف، وهذا إنما يصدق على تلك الحركة الشيعية. ويبدو أن أفرادا من الشام كانوا يتشيعون قبل هذا التاريخ، لا التشيع الغالى المفرط ولكن التشيع المعتدل المقتصد، ويسلك فيهم بعض الباحثين أبا تمام لمثل قوله عن قصيدة له مخاطبا المأمون (١):