للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٥ - الشعراء والشعر التعليمى]

ذكرنا فى كتاب العصر (١) العباسى الأول أن رقى الحياة العقلية فى هذا العصر دفع الشعراء إلى استحداث فن الشعر التعليمى، وكان من أوائل السابقين إليه أبان بن عبد الحميد فترجم كتاب كليلة ودمنة عن الفارسية إلى العربية فى ١٤ ألف بيت من الشعر المزدوج المؤلف من وزن الرجز، وفيه تختلف القافية من بيت إلى بيت بينما تتحد فى الشطرين المتقابلين. وبجانب ترجمته لكليلة ودمنة فى هذا الفن الجديد نظم مزدوجات طويلة فى تاريخ ملوك الفرس وفى الفقه وأحكام الصوم والزكاة. وممن نظم فى هذا الفن الجديد محمد بن إبراهيم الفزارى، إذ نظم فى علم الفلك مزدوجة طويلة استغرقت عشرة مجلدات، ونظم الأصمعى فيه قصيدة فى ذكر الملوك والجبابرة الهالكين والأمم البائدة، وكان بشر بن المعتمر يكثر من النظم فى هذا الفن التعليمى، وساق الجاحظ له فيه بكتابه الحيوان قصيدتين طويلتين تحدث فيهما عن الحشرات وأصناف الحيوان، ولعلى بن الجهم منظومة تاريخية تحدث فيها عن بدء الخليقة والأنبياء والإسلام والخلفاء حتى سنة ٢٤٨ للهجرة.

ومن أوائل شعراء الأندلس الذين حاكوا العباسيين فى هذا الفن الجديد-إن لم يكن أولهم السابق إليه-الشاعر يحيى الغزال الذى مرت ترجمته بين شعراء الهجاء، إذ نظم فى فتح الأندلس أرجوزة طويلة ذكر فيها السبب فى غزوها وتفصيل الوقائع بين الفاتحين من المسلمين وأهلها وعدد أمرائها وأسماءهم مستقصيا محسنا (٢). ونلتقى بعده بتمام بن عامر وزير الأمير محمد وابنيه المنذر ثم عبد الله إلى أن توفى فى حدود سنة ٢٨٠ ويقول ابن الأبار: له الأرجوزة المشهورة فى ذكر افتتاح الأندلس وتسمية ولاتها والأمراء فيها ووصف حروبها من وقت دخول طارق بن زياد مفتتحها إلى آخر أيام الأمير عبد الرحمن بن الحكم (٣)، ويقول ابن حيان إنها تشتمل على كتاب ضخم (٤) وفى ذلك ما يؤكد أنها كانت مفرطة فى الطول.


(١) العصر العباسى الأول ص ١٩٠ وما بعدها
(٢) نفح الطيب ١/ ٢٨٢.
(٣) الحلة السيراء تحقيق د. حسين مؤنس (طبع القاهرة) ١/ ١٤٤.
(٤) المقتبس تحقيق الدكتور محمود مكى (نشر دار الكتاب العربى بلبنان) ص ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>