استقام حكم عبد الواحد فى تونس وطرابلس وأحبه الناس وعظّموه إلى أن توفى سنة ٦١٨ هـ/١٢٢١ م وخلفه ابنه عبد الرحمن، وعزله سريعا سلطان الموحدين وولّى أخاه عبد الله، فعهد لأخيه أبى زكريا يحيى بحكم قابس سنة ٦٢٠ هـ/١٢٢٣ م ولم يلبث أن غضب عليه ونهض لحربه، وخالفه بعض القواد، والتحقوا بجيش يحيى وتمت له الغلبة على أخيه، فدخل تونس سنة ٦٢٥ هـ/١٢٢٧ م وبايعته بمجرد دخوله، وأخذ يعمل على الاستقلال بولايته وكان مما حفزه على ذلك أن أبناء سلطان الموحدين يعقوب العظيم صاحب موقعة الأرك وأبناء عمومتهم أخذوا يتصارعون على الملك والحكم وأخذت دولة الموحدين تضعف ضعفا شديدا وسرعان ما قطع أبو زكريا اسم سلطان الموحدين من خطب الجمعة وجعلها باسمه سنة ٦٢٧ هـ/١٢٢٩ م وبذلك أعلن قيام دولته الحفصية واستقلاله نهائيا عن دولة الموحدين. وفى سنة ٦٢٨ هـ/١٢٣٠ م وقع مع فريدريك الثانى إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة-تفاديا لغارات أسطوله على ساحل تونس-معاهدة اعترف فيها بتملك فريدريك لجزيرة قوصرة (بنطلارية) بعد أن ظلت تابعة لإفريقية التونسية خمسة قرون وكان من شروط المعاهدة أن تظل الدولة الحفصية تأخذ نصف جبايتها وظل هذا الشرط ساريا طوال حياة أبى زكريا، وبمجرد وفاته انتقض هذا الشرط وأجبر المسلمون فيها وفى مالطة وصقلية على الخروج منها جميعا إلى العدوة الإفريقية، ومن بقى أجبر على اعتناق النصرانية. وظل أبو زكريا يتعقب يحيى بن غانية حتى توفى فى برية تلمسان سنة ٦٣١ هـ/١٢٣٣ م. وفى سنة ٦٣٤ هـ/١٢٣٦ م بايعت تونس أبا زكريا ثانية، ويقال إنه أعلن حينئذ قطع اسم سلطان الموحدين من خطب الجمعة أو خليفتهم وذكر اسمه فيها. وكأن بدء قيام الدولة الحفصية إنما كان فى سنة ٦٣٤ هـ والرأى الأول أكثر سدادا.
وتعاظمت حملات نصارى الإسبان ضد عرب الأندلس وأخذت مدنهم الكبرى تسقط فى
(١) انظر فى الدولة الحفصية البيان المغرب لابن عذارى وتاريخ ابن خلدون ومعالم الإيمان للدباغ وابن ناجى والمؤنس فى أخبار إفريقية وتونس لابن أبى دينار ورحلة التجانى ورحلة العبدرى والفارسية فى مبادئ الدولة الحفصية لابن قنفذ والحلل السندسية فى الأخبار التونسية للوزير السراج وخلاصة تاريخ تونس للأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب وكتابه ورقات عن الحضارة العربية وتاريخ إفريقية فى العهد الحفصى لروبار برنشفيك وراجع فيه خاصة علاقات حكام الدولة الحفصية مع أمراء وحكام صقلية وموانئ إيطاليا وفرنسا وإسبانيا.