للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له خلف شعب الصّين فى كلّ ثغرة ... إلى سوسها الأقصى وخلف البرابر

رجال دعاة لا يفلّ عزيمهم ... تهكّم جبّار ولا كيد ماكر

وأوتاد أرض الله فى كلّ بلدة ... وموضع فتياها وعلم التشاجر

ويصفهم صفوان بالقدرة على التشاجر والجدال وقرع الحجة بالحجة البيّنة، ويصفهم فى أبيات تالية بروعة البيان والخطابة ويقول إنهم رسله ودعاته وحاملو مبادئة الاعتزالية إلى أطراف الأرض فى أقصى الشرق حتى الصين وفى أقصى الغرب حتى بلاد السوس وقد استطاع هؤلاء الدعاة لواصل أن يجذبوا إلى نحلته الاعتزالية جماعات فى الجزائر شمالا بين ميناءى مستغانم ووهران وجنوبا فى وادى ميزاب بمدينة العطفا، ولا تزال لهم مقبرة بها، ونجد المناظرات محتدمة فى تاهرت بين الإباضية والمعتزلة المقيمين شماليها وكانوا يبلغون ثلاثين ألفا، وهو عدد ضخم، واشتعلت هذه المناظرات فى عهد إمام الإباضية عبد الوهاب (١٧١ - ٢١١ هـ‍) ونازله هو وعلماء دعوته أحد علماء هؤلاء المعتزلة وهزمهم جميعا، واستنجد عبد الوهاب بعلماء نفوسة فى طرابلس وأرسلوا إليه شيخا منهم يسمى مهدىّ، وتناظر مع عالم المعتزلة مناظرات حادة، ولم تلبث المعتزلة أن حملت السيوف لقتال الإباضية، ولم يكتب لهم النصر كما يقول مؤرخو الإباضية، ولو كتب لهم لتكونت فى الجزائر دولة اعتزالية لأول مرة فى التاريخ العربى. ويبدو أن الدعوة الشيعية التى قضت على الدولة الإباضية فى تاهرت لأواخر القرن الثالث الهجرى قضت أيضا هناك على الدعوة الاعتزالية لا فى الجزائر وحدها بل أيضا فى المغرب الأقصى.

٥ -

الزهد (١) والتصوف

أخذت تشيع فى الجزائر نزعة مبكرة للزهد فى متاع الحياة العاجل والإقبال على العبادة والنسك طلبا للثواب عند الله فى الآجل. وكان مما عمل على إشاعة الزهد والتقوى فى نفوس الجزائريين الوعّاظ فى أيام الجمع بالمساجد وفى غير أيام الجمع إذ كانوا ما يزالون ينفّرون الناس من ملذات الدنيا مذكّرين لهم بيوم القيامة وما ينتظر العصاة فيه من العذاب الأليم والتقاة من النعيم المقيم، مستشهدين لهم بآيات الذكر الحكيم والأحاديث النبوية التى تصور عذاب الجحيم ونعيم الفردوس، حاثين لهم على القناعة بالكفاف من العيش وطيباته فتلك هى الوجهة المفلحة


(١) تفيض تراجم الفقهاء والمحدثين الجزائريين فى كتاب عنوان الدراية للغبرينى والديباج المذهب لابن فرحون بأخبار زهد الزهاد. وفى كتاب التشوف إلى معرفة رجال التصوف لابن الزيات التادلى وكتاب البستان فى ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لابن مريم تراجم عن أعلام الصوفية، وانظر فى صوفية الأندلس المذكورين كتابنا عن الأندلس وما فيه لهم من مراجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>