للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له أن يقترن هو وحكمه بالسعود. ولعل صوت الشهاب بن الخلوف اتضح لنا اتضاحا تاما، وهو صوت يكتظ بالعذوبة والسلاسة وصفاء التعبير ويجمع بين الرقة والمتانة، وكأنما يستمد من معين لا ينضب، معين زلال ممتع دون أن يكلفك أى عناء فى فهم لفظة أو عبارة، إذ كان يشغف بالوضوح التام كل الوضوح.

محمد (١) القوجيلى

من كبار شعراء مدينة الجزائر فى القرن الحادى عشر الهجرى لعهدها العثمانى، ولا نعرف شيئا واضحا عن نشأته، غير أن من المؤكد أنه عكف على حفظ القرآن الكريم فى صباه مثل لداته، حتى إذا أتقن حفظه وجوّده على قرائه أخذ يختلف إلى حلقات الشيوخ يأخذ عنهم علوم الفقه والحديث النبوى والعربية والأصول والتوحيد والبيان والبلاغة، وتميز فى علمه بالفقه والشريعة، مما أعدّه ليصبح قاضيا من قضاة الدولة. وشغف مبكرا بالشعر، وأخذ ينهل من دواوينه حتى استقامت له ملكته الشعرية. وسرعان ما أصبحت ملكته خصبة، واتجه بها أول ما اتجه إلى المشاركة فى الشئون السياسية والتعبير عن أمانى أمته الجزائرية، وكان من أهم أملها فى بواكير شبابه تخليص وهران من أيدى الإسبان الذين طال احتلالهم لها منذ أوائل القرن العاشر الهجرى، ونراه حين ولى الجزائر أحمد باشا سنة ١٠٠٧ هـ‍/١٥٩٩ م يهنئه بولايته ويحضه على الجهاد ضد الإسبان حتى ينهزم جمعهم فى وهران ويولون عنها فرارا، بل حتى يسحقهم سحقا لا يبقى منهم باقية، يقول:

فرحت جزائرنا بكم وتأنّست ... بمقامكم فيها بحال حبور (٢)

فلتلتفت نحو الجهاد بقوة ... والكفر فاقطع أصله بذكور (٣)

وبغربنا وهران ضرس مؤلم ... سهل اقتلاع فى اعتناء يسير

فانهض بعزمك نحوها مستنصرا ... بالله فى جدّ وفى تشمير

بعساكر مثل السيول تزاحمت ... للسبق تحت لوائك المنصور

ونرى القوجيلى يتحول من دعوة الوالى لجهاد الإسبان وفتح وهران إلى نصحه بأن يصرف للعلماء والأدباء شعراء وكتابا إعانات تعينهم على العيش الكريم، إذ كان ولاة العثمانيين على الجزائر لا يفهمون العربية، فكانوا لا يعنون برجال الدين فضلا عن الشعراء والكتاب وساعد على ذلك أن ديوانهم-حينئذ-كان تركيا خالصا، فلم يعد للأدب ولا للعلم سوق رائجة فى عهدهم، مما جعل القوجيلى يدعو الوالى الجديد إلى تلافى ذلك حتى لا تنتكس الحركة العلمية والأدبية، وإنه ليهتف بالوالى العثمانى:


(١) انظر فى ترجمة محمد القوجيلى كتاب أشعار جزائرية تحقيق د. أبو القاسم سعد الله وما ذكره عنه فى كتابه تاريخ الجزائر الثقافى (انظر الفهرس).
(٢) حبور: سرور.
(٣) الذكور جمع ذكر: السيف الصلب القاطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>