للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم ميراث النبوّة ناله ... قوم لهم حظّ من التنوير

كم فى بلادك من نجيب حافظ ... ومشارك فى النظم والمنثور

ومحقّق ومدقق ومناظر ... من كل درّاك الحجى نحرير

لكنهم فقدوا الإعانة واغتدوا ... ما إن يراعيهم ذوو التأمير

ضاعوا وجاعوا لا محالة وابتلوا ... فى ذا الزمان الصعب بالتقتير

وهو يقول له إن العلماء ورثة الأنبياء، وكم فى البلاد من حافظ محدث وشاعر وكاتب وفقيه محقق وعالم مدقق ومناظر يدرك براهين الحجى والعقل نحرير حاذق فى عمله كل الحذق، غير أنهم فقدوا ما يسد رمقهم، وابتلوا فى العصر بالتقتير والتضييق عليهم فى النفقة، إذ لا يراعيهم أمراؤهم أو ذوو التأمير.

ويصبح القوجيلى قاضيا فى تاريخ غير معروف، وتدل تلك الوظيفة على ما حاز لنفسه من الدراسات الدينية وخاصة الفقه وما عرف به من القدرة على الفتوى السديدة، وأكبّ على دراسة الحديث مما جعله ينظم عملا شعريا حول الجامع الصحيح للبخارى سماه: «عقد الجمان اللامع المنتقى من قعر بحر الجامع» وهو منظومة فى مخرجى أحاديث البخارى وعدد الأحاديث التى لكل منهم مع بيان المكثر منهم والمقل فى السند على ما أورده ابن حجر المصرى وزاد عليه تراجم الرواة. ويبدو أنه كان يضيف إلى اشتغاله بالقضاء اشتغاله بتدريس الفقه والحديث للطلاب. ويتولى صديق له الفتيا يسمى أبا عبد الله محمد بن قرواش، ويتصادف حدوث زلزال عند توليه، فيتطير من ذلك، فيمدحه بقصيدة محاولا فيها أن يجعل الزلزال بشرى لفرح الأرض بتوليه هذا المنصب الدينى الجليل قائلا:

اهنأ أبا عبد الإله بخطّة ... جاءتك وهى لدى الزمان جمال (١)

والأرض قد فرحت بما خوّلتم ... مرحت بسائطها ومال جبال (٢)

وتحرّكت أرجاؤها طربا بكم ... ما مسّها رجف ولا زلزال

بل إنما ماست لذلك نخوة ... حتى لقد رقصت بنا الأطلال (٣)

والأبيات تدل على أن ملكته الخيالية كانت خصبة، وأنه كان يعرف بها كيف يجعل ما قد يظن أنه نحس أو شؤم فألا حسنا لفرح وسرور وحياة هنيئة طيبة. وانعقدت صداقة متينة بينه وبين الفقيه الحافظ على بن عبد الواحد الأنصارى السجلماسى الذى هاجر بأسرته من مدينته سجلماسة بالمغرب الأقصى إلى مدينة الجزائر حوالى سنة ١٠٤٠ هـ‍/١٦٣١ م واتخذها وطنا ثانيا له حتى وفاته سنة ١٠٥٧ هـ‍/١٦٤٨ م وكان عالما متبحرا فى جميع العلوم الدينية


(١) يريد بالخطة منصب الفتوى.
(٢) خولتم: أعطيتم. ويريد ببسائطها: المنبسط من الأرض.
(٣) ماست: اختالت.

<<  <  ج: ص:  >  >>