للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واللغوية والبلاغية، وطارت شهرته فى إقليم الجزائر والمغرب الأقصى وقصده الطلاب من كل فج، ونرى القوجيلى يمدحه بقصائد متعددة. وهى ظاهرة كبرى فى العهد العثمانى بالجزائر أن نرى الشعراء منصرفين بمدائحهم عن الولاة العثمانيين إلا قليلا، لأنهم كانوا تركا ولم تكن كثرتهم تفهم العربية فضلا عن إحسانها، فقلّ منهم من فتح أبوابه للشعراء إلا نفرا محدودا لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، ولذلك انحاز الشعراء الجزائريون بمدائحهم عن الولاة العثمانيين وأخذوا يسبغونها على الشيوخ من العلماء الأجلاء، على نحو ما نرى عند القوجيلى فى إكثاره من مديح الحافظ الفقيه على بن عبد الواحد الأنصارى، يمدحه-كما يمدح أمثاله من الشيوخ-لا طلبا لنوال أو عطاء، وإنما تجلّة وعرفانا لهم بالفضل وما أوتوا من العلم النافع. ومن مديح القوجيلى للشيخ الأنصارى قوله فى إحدى مدائحه:

أبو الصلاح علىّ فى الكرام علا ... من لا يماثله فى الناس من أحد

بحر طمى فرمى درّا لملتقط ... غيث همى فنما نفعا لمجتهد (١)

أكرم بمجلسه السامى فقد ظهرت ... لنا به نفحات العون والمدد

تلاطمت فيه أنواع العلوم كما ... تلاطم البحر بالأمواج والزّبد

من يحرم الرّىّ من صافى مشاربه ... يعضّ من ندم فى شفة ويد

وهو ينعت الشيخ الأنصارى بالصلاح حتى ليجعله إياه ويرفعه درجات فوق الناس قائلا إنه لا يماثله أحد من العلماء، يريد من نظرائه الفقهاء، ويشيد بمجلسه العلمى وما يعرض فيه من نفحات العلوم، بل يقول إنه تتلاطم فيه تلاطم الأمواج والزبد فى البحر المتوسط، ويقول إن من لا ينهل من صافى علومه يندم ندما شديدا. وله يقول فى مدحة ثانية:

علاّمة أحيا العلوم وقد ... خفيت معانيها على الكثر

يا طالبا للعلم هل لك فى ... رشد وفى الإكثار من خير

اقصد لمجلسه تنل شرفا ... وتحوز فخرا أيّما فخر (٢)

إن جئت مجلسه تجد عجبا ... منه العلوم تفيض كالبحر

بدراية ورواية ثبتت ... بصحيح إسناد عن الغرّ (٣)

وهو يشيد بعلمه وتناهيه فيه أو بلوغه منتهاه، حتى ليعدّه محييا له، وينصح طالب العلم أن يقصد إلى مجلسه لينال شرف العلم وفخره، إذ سيجده يفيض على طلابه بسيول من علومه وسيجده يجمع بين الدراية والرواية، وبعبارة أخرى بين المعقول والمنقول، فهو من أهل الاجتهاد والرواية الوثيقة بأسانيد صحيحة عن رواة أعلام. وكانت قد حدثت اضطرابات فى


(١) طما: امتلأ. همى: سال.
(٢) رفع تحوز ولم يجزمها عطفا على فعل تنل فى جواب الأمر لضرورة الشعر.
(٣) الغر: الثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>