للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوية، تحولت فى أثنائها الخلافة ملكا كسرويّا يقوم على الاستبداد والقهر والبطش الذى لا يعرف رفقا ولا لينا.

[٤ - العلويون والخوارج]

مرّ بنا فى غير هذا الموضع أن العباسيين ظلوا طوال دعوتهم السرية يدعون للرضا من آل البيت. لكى لا يصطدموا بأبناء عمهم العلويين، وأيضا فإنهم أرادوا أن يثبّتوا الأصل الذى تعتمد عليه خلافتهم المبتغاة وهو ميراثها عن الرسول، فهى حق شرعى لآل بيته، وقد تحدثنا آنفا عما فى هذا الأصل من فساد، لأن الرسول لا يورث فى ماله فضلا عن الولاية العامة للمسلمين.

ولم يكد العباسيون يستولون على مقاليد الخلافة، حتى أخذ العلويون يشيعون فى الناس أنهم اغتصبوها منهم، فهم ورثتها الحقيقيون، إذ هم أبناء بنت الرسول:

فاطمة، وأبناء على ابن عمه. وردّ عليهم العباسيون بأنه ينبغى أن يرجع فى ذلك إلى أصل حكم الله فى المواريث، وما فرض فيها من حجب العم لابن العم وحرمان ابن البنت من ميراث جده لأمه، فهم يدلون للرسول بعمه العباس الذى آل إليه ميراثه، وهم لذلك أولو الأمر وأهله «خصّوا برحم رسول الله وقرابته ونشأوا من آبائه ونبتوا من شجرته» (١). وإذا كان العلويون يزعمون أن الرسول نصّ على إمامة على بن أبى طالب بعده وأن أبناءه ورثوا منه إمامته فقد زعم العباسيون أن الرسول قال لجدهم العباس: إن الخلافة تكون فى ولدك (٢).

وأخذت الخصومة تشتد بين الفرعين الهاشميين فى أيهما أقرب إلى الرسول وأمس به رحما وأيهما أحق بميراث ولايته على الأمة، وسرعان ما أخذ المنصور يرصد العلويين فى دارهم: المدينة، ويضيق الخناق عليهم. وترامت إليه الأنباء بأن محمد بن عبد الله سليل الحسن بن على بن أبى طالب الملقب بالنفس الزكية يبث الدعاة له فى الحجاز والعراق، فأمر عامله على المدينة أن يجدّ فى طلب العلويين، وحجّ، فقبض على


(١) انظر خطبة السفاح بعد بيعته فى الطبرى ٦/ ٨٢.
(٢) ابن الطقطقى ص ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>