يكثر شعر الحب فى الأدب العربى منذ الجاهلية إلى اليوم كثرة مفرطة، وحتى فى إغراض الشعر الأخرى مديحا وغير مديح يقدم الشعراء لقصائدهم فيها أبيات من الغزل أو النسيب جذبا للأسماع، ولذلك لا تغلو إذا قلنا إن النسيب والغزل والحب يكاد يكون الغرض الأساسى للشعر العربى، وهو أمر طبيعى لأنه يتناول عاطفة الحب الإنسانى الخالدة بجميع أحاسيسها ومشاعرها وانفعالاتها وانعكاساتها على حياة الشاعر المحب أو العاشق منذ تستهويه امرأة، فيقع فريسة لحبها، وتملأ قلبه وجدا وشوقا إلى رؤيتها، وقد تعرف منه هذا الحب فتلقاه أو تنظر إليه نظرة أو تومئ إليه إيماءة فيزداد ولعابها وغراما، وقد تتدلل عليه وتمتنع وقد تنأى عنه وتهجره فتضطرم بين جوانحه نار شوق لا تخمد، وعبثا يتذلل لها ويستعطف ويتضرّع، ومع ذلك لا يذوى الأمل فى نفسه بلقائها أبدا، فهو دائما مؤمل فى اللقاء بعد الهجران وعلى الأقل فى الرؤية بعد الحرمان. وبلغ الحب ببعض الشعراء قديما حد الجنون، واسم قيس مجنون ليلى يشيع على كل لسان، فقد ظل يغنى باسمها وعيناه مصوّبتان إلى خيالها، فهو لا يرى فى ليله ولا فى نهاره سواها، إذ تشغل من حوله كل وقت وكل مكان وهو يسبح فى البوادى معاشرا آرامها، إذ هجر حيّها، بل هجر عالم الإنسان، إنه لا يعرف سوى عالمها، فهو العالم الفسيح الذى لا يزال بصره فيه شاخصا إليها.
أما عالم قومه أو بعبارة أخرى عالم الإنسان فما أضيق ساحاته، وإنه ليفر منه منطويا على نفسه حالما بليلى وعالمها الساحر خالعا الوهم على الحقيقة ذاهلا عن كل ما حوله ذهول المجانين، ولذلك سماه القدماء مجنون ليلى. وقلة فقط هم الذين بلغ بهم الحب هذا المبلغ المغرق فى الخيال، ومع ذلك فكل محب يشعر كأن صاحبته فوق مستوى كل من حولها من الفتيات والنساء، وكأنما تحيط بها