للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصفراء ودكناء ويميزها بين الخوافق أى الخيل المسرعة مشية خاصة يبدو عليها فيها الكبر والخيلاء والعجب الشديد، كما يميزها جيد طويل جدا ترفعه إلى أعلى، وكأنه لواءان ممتدان، وترى لطول يديها وقصر رجليها وإقبالها عليك بصدرها كأن وقوفها ضرب من الإقعاء أو الجلوس على المآخر مع نصب اليدين وهو تصوير بديع، ومثله تصويره لفحل الإوز، إذ يقول (١):

نظرت إلى فحل الإوزّ فخلته ... من الثّقل فى وحل وما هو فى وحل

ينقّل رجليه على حين فترة ... كمنتعل لا يحسن المشى فى النّعل

له عنق كالصّولجان ومحطم ... حكى طرف العرجون من يانع النّخل (٢)

يداخله زهو فيلحظ من عل ... جوانبه ألحاظ متّهم العقل

وهو يجسّد ذكر الإوز فى مشيته المتثاقلة كأنه يخطو فى وحل، فينقّل رجليه، أو كأنه لابس نعلا لا يحسن المشى فيه. وبعد أن جسّد مشيته هذا التجسيد الرائع، أخذ يصور خلقته فله عنق طويلة طول عصا الملوك المسماة بالصولجان، وله محطم أو منقار معقوف كعرجون النّخل الذى يحمل شماريخه وتمره، ثم صوّر شموخه فى وقفته فقال: كأنما يداخله زهو فينظر من أعلى إلى جوانبه نظر المشدوه الذى يظنّ أنه متهم العقل لطول نظره وإمعانه فيه. وحرى بنا أن نلم ببعض شعراء الطبيعة ممن ذكرنا أننا سنخص كلا منهم بكلمة مع ترتيبهم ترتيبا تاريخيا وهم عبد الواحد بن فتوح وصّاف الديكة والحمام وابن أبى حديدة وصّاف السحب والنجوم وأبو على بن إبراهيم وصّاف البساتين.

عبد الواحد (٣) بن فتوح الزّوّاق

نشأته ومرباه بتونس وبها تأدب، ثم استوطن القيروان، وانتظم فى سلك كتاب الدواوين، وفيه يقول ابن رشيق: «شاعر مفلق قوىّ أساس الشعر وأركانه وثيق دعائمه وبنيانه، كأنه أعرابى بدوى يركب ظهر الشعر ويخوض بحر الفكر، يتكلف بعض التكلف، وفى قصائده طول، ويعدّ من خيار طبقته» توفى سنة ٤٤٧ هـ‍/١٠٥٦ م. ومن شعره فى وصف الديك:

وهبّ للأطيار ذو خبرة ... منه بما يعرف من خبرها

فنصّ جيدا ورقى منبرا ... دار الذى عوّد من خدرها (٤)


(١) مجمل تاريخ الأدب التونسى ص ١٤٧.
(٢) الصولجان: عصا الملك الرامزة لسلطانه: محطم: منقار. العرجون ما يحمل التمر. العذق.
(٣) انظر فى عبد الواحد بن فتوح الأنموذج ص ٢٢٦ والمجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ١٣٥.
(٤) نصّ: رفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>