وأكبر الظن أن الجزائر ظلت طويلا تعتمد على موسيقاها والضرب على العود والقانون على ألحان بسيطة، حتى إذا كانت هجرة الغرناطيين الكبرى إليها بعد سقوط عاصمتهم غرناطة فى أيدى فردناند وإيزابيلا نقلوا معهم إلى مدنهم التى استوطنوها وخاصة على الساحل الشمالى موسيقاهم الأندلسية، ولا نعرف إلى أى حد امتزجت هذه الموسيقى بموسيقى الجزائر المحلية، وكانت الموسيقى الأندلسية موسيقى راقية ذات قواعد وقوانين فى تلاحينها وذات رقم مضبوطة (أى نوت جمع نوتة) وكانت تصحبها أغان أندلسية بهيجة أو شجية من الغزل وغير الغزل. ولم تلبث الموسيقى التركية أن انتقلت بدورها إلى الجزائر فى العهد العثمانى عن طريق الطاقم الموسيقى العسكرى الذى كان يلازم الوالى وما يحمل من آلات النفخ والدق. وأخذت تتسع معرفة الجزائريين بالموسيقى التركية وآلاتها وقواعدها فى التنغيم والتلحين. وهذه الموسيقى التركية وأختها الأندلسية التحمتا بما كان فى الجزائر من موسيقى أولية، وتألفت من ذلك كله منذ القرن الحادى عشر الهجرى الموسيقى الجزائرية بطوابعها وخصائصها الموسيقية، وقد أدخل الجزائريون فى ديوان موسيقاهم مصطلح البشرف وهى كلمة تركية معناها الافتتاحية ولا ينشد معها أو يغنّى كلام ثم تتوالى الأدوار فى الموسيقى، وكل دور يسمى نوبة، ولكل نوبة اسمها الخاص وتلاحينها. وتعتمد الموسيقى الجزائرية على الآلات الموسيقية التالية: الناى والعود والرباب والقانون والكمنجة والطبل والدربكة والطار والمزمار.
وبجانب هذه الموسيقى الجزائرية التى كانت تشيع بين الحضر فى المدن الجزائرية كان للبدو من الأعراب أغانيهم البدوية التى توارثوا طرائق التغنى بها وإنشاءها من آبائهم فى الجزيرة العربية، وقد أخذوا يستعيدون تلك الطرائق فى هضاب الجزائر ومراعيها الواسعة التى كانوا يتنقلون فيها، وأخذها عنهم جيرانهم من البربر المتبدين مثلهم، وكانوا ينشدونها مع طبل وزمر أحيانا فى أسمارهم وحفلات اعراسهم وأفراحهم واستقبالاتهم للحجاج بلهجاتهم البدوية الدارجة.
٤ -
الدين-المالكية والحنفية-الإباضية-المعتزلة
(أ) الدين (١)
كان البربر فى القطر الجزائرى-مثل إخوانهم من البربر فى الأقطار المغربية-وثنيين
(١) راجع فى الدين قديما الجزء السادس من تاريخ ابن خلدون ووصف إفريقيا للحسن الوزان وفى اليهود والنصارى تاريخ الجزائر فى القديم والحديث لمبارك الميلى وكتاب الجزائر لأحمد توفيق المدنى وفى علاقة الناصر بن علناس الحمادى بالبابا جريجوار السابع كتاب دولة بنى حماد لإسماعيل العربى وفى نشاط القرصنة وصف إفريقيا لدابر Dapper وكلمة الجزائر فى دائرة المعارف الإسلامية وفى اعتناق البربر للإسلام وتحولهم إلى شعب عربى مسلم مواضع مختلفة فى كتاب البيان المغرب لابن عذارى وغيره من كتب التاريخ السابقة.