يعبدون الشمس والقمر والكواكب السيارة ويقيمون لها المعابد ويقدمون إليها القرابين ويوقدون لها النار لحراستها ويقدسون كثيرا من الأحجار. ونزل بديارهم الفينيقيون وكانوا مثلهم وثنيين وكذلك القرطاجيون. وأخذ اليهود يهاجرون إلى بلدان الجزائر بعد استيلاء الملك الكلدانى بختنصر على بيت المقدس، ولهم هجرة إليها ثانية حين هدم الإمبراطور تيتوس هيكلهم ببيت المقدس سنة ٧٠ للميلاد. وحاول يهود الهجرة الأولى والثانية أن ينشروا دينهم اليهودى بين البربر، واستجاب لهم بربر مختلفون فى جبال الأوراس، وما زالت توجد آثار للقبائل البربرية التى اعتنقت اليهودية وتمسكت بها إلى اليوم. وفى ذلك ما يفسر وجود بعض اليهود البدو الذين يلبسون ملابس البربر المسلمين ويعيشون معيشتهم. ولهم هجرة ثالثة إلى الجزائر وغيرها من البلاد المغربية، حين أنزل الإسبان بهم بعد سقوط غرناطة أهوالا من العذاب وأوصدت أوربا أبوابها دونهم فلم يجدوا لهم ملاذا سوى الجزائر وشقيقاتها العربيات المسلمات وعاملوهم معاملة الإسلام السمحة ولم يشعروهم أنهم عنصر غير مرغوب فيه، بل فسحوا لهم فى المعيشة وكانوا يعدون بالآلاف فى قسنطينة والجزائر وغيرهما من المدن الكبرى مثل تلمسان، ويقول الحسن الوزان: كان بها خمسمائة بيت من اليهود، وما زالت المدن الجزائرية تفسح لهم فى المعيشة بها، حتى إذا كانوا فى أواخر هذا العصر احتكروا التجارة والأعمال المالية وثار الشعب الجزائرى فخففوا قليلا من وطأة احتكارهم وسرعان ما استعادوا احتكارهم ونفوذهم المالى على نحو ما عرضنا ذلك فى الفصل الماضى.
وأخذت المسيحية تنتشر فى الجزائر منذ القرن الثانى للميلاد، وأخذ انتشارها يتسع منذ عهد الإمبراطور قسطنطين واستيلائه فى روما على صولجان الحكم سنة ٣١٢ للميلاد إذ أعلن المسيحية دينا رسميا للدولة وأخذ يعمل على نشرها فى إفريقيا والبلاد التابعة لروما، وتكاثرت الأسقفيات والكنائس فى المدن الساحلية وفى الداخل فقد كان لهم أسقفية فى بونة (عنابة) وكان القديس أو غسطين أسقفا لها وكانت فى قسنطينة أسقفية ثانية وكذلك فى باغاية، وكانت هى وأمثالها تتبع كنيسة روما. ويظن أن المسيحية سقط منها بعض التأثير إلى القبائل الرحل فى الجنوب إذ توجد بعض كلمات فى لغة الطوارق ترجع إلى أصل مسيحى مثل اسم ميسى ومعناه عندهم إله وأنجلوس ومعناه عندهم ملاك. ولكن من المؤكد أن البربر ظلوا-قبل الإسلام-لا يقبلون على المسيحية لصعوبة تصورهم لعقيدة التثليث المسيحية المعقدة ولأن حملتها من الرومان كانوا يذيقونهم قهرا وبطشا شديدا، فظلوا منصرفين عنها، ومن اعتنقها منهم ظل يعتنقها اعتناقا ظاهريا دون أن تحتل قلبه وفؤاده، وظل يشعر أنها ديانة رومانية أوربية غريبة عليه. ومع ذلك فإن الجاليات والأسر والحاميات الرومانية ومن تنصّر من القرطاجيين كانوا كثيرين مما أتاح لتأسيس بعض الأسقفيات والكنائس وبدون ريب حاول بعض القساوسة الدعوة للمسيحية جاهدين فى أرجاء البلاد حتى صحاريها. وبعد الفتح العربى أخذ كثيرون ممن