للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يؤثر بخطابته ووعظه فى سامعيه تأثيرا بعيدا، وهو خطيب مغربى من خطباء كثيرين كان لهم نفس هذه الروعة فى الخطابة والوعظ.

٢ -

الرسائل الديوانية

أخذت الرسائل الديوانية تزدهر فى المغرب الأقصى منذ عهد يوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين واستدعائه أبا بكر بن القصيرة رئيس ديوان المعتمد بن عباد وتكليفه برياسة ديوانه فى مراكش عاصمته، وكان آية فى البيان والبلاغة، فأرسى فى الديوان المراكشى تقاليد الكتابة الديوانية الأندلسية، وظل رئيسا لهذا الديوان حتى وفاة يوسف بن تاشفين سنة ٥٠٠ للهجرة، وظلت له رياسته فى عهد ابنه على حتى وفاته سنة ٥٠٨ للهجرة. واحتفظت الذخيرة لابن بسام برسالتين (١) له كتبهما على لسان يوسف بن تاشفين، أولاهما موجهة إلى صاحب قلعة بنى حماد فى الجزائر، والثانية موجهة إلى ابن حمدين محمد بن على حين ولى القضاء بقرطبة سنة ٤٩٠ هـ‍/١٠٩٦ م، وله يقول فيها:

«استهد الله يهدك، واستعن بالله يعنك فى صدرك ووردك (٢) وتولّ القضاء الذى ولاّكه الله بجدّ وحزم، وجلد وعزم، وأمض القضايا على ما أمضاها الله تعالى فى كتابه وسنّة نبيّه، ولا تبال برغم راغم، ولا تشفق من ملامة لائم، وآس (٣) بين الناس فى وجهك وعدلك ومجلسك، حتى لا يطمع قوىّ فى حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك. ولا يكن عندك أقوى من الضعيف حتى تأخذ الحق له، ولا أضعف من القوى حتى تأخذ الحق منه، وانصح لله تعالى ولرسوله عليه السلام ولنا ولجماعة المسلمين. وقد عهدنا إلى جماعة المرابطين أن يسلّموا لك فى كل حق تمضيه، ولا يعترضوا عليك فى قضاء تقضيه. ونحن أولا وكلهم آخرا مذ صرت قاضيا سامعون منك غير معترضين عليك فى حق. والعمال والرعية كافة سواء فى الحق».

وواضح أن ابن القصيرة يتأثر فى رسالته إلى القاضى ابن حمدين برسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الأشعرى حين يدعوه إلى المساواة بين الناس فى وجهه وعدله ومجلسه حتى لا يطمع قوى فى حيفه ولا ييأس ضعيف من عدله، وحين يقول له: «لا يكن عندك أقوى من الضعيف حتى تأخذ الحق له، ولا أضعف من القوى حتى تأخذ الحق منه». ومن الطريف فى الرسالة أن يوسف بن تاشفين يجعل القاضى فوقه وفوق الجنود والولاة المرابطين


(١) الذخيرة، القسم الثانى ص ٢٥٧ وما بعدها.
(٢) صدرك: ما تصدر عنه. وردك: ما ترد إليه.
(٣) آس: سوّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>