للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن نجد هذه الرغبة فى العناية بالغريب عند كثير من الشعراء، مثل الطّرمّاح والكميت، وقد عرضنا لهما فى غير هذا الموضع. واشتهر شبيل بن عزرة الضّبعىّ بأشعار له بناها على اللفظ الغريب (١). وهو اتجاه تعليمى نظن ظنّا أن الذى دعا إليه عناية الأجانب بتعلم العربية ونهوض طائفة من العلماء بجمع اللغة وشواردها، وقد انبرى العجّاج وابنه رؤبة يجمعان لهم فى شعرهما هذه الشوارد حتى تحوّل ديواناهما إلى معجمين للغرائب اللغوية، وهما بحق يعدّان أهم من هيّأ لتحول الرجز من شعبيته القديمة إلى بيئة المثقفين، وسرعان ما استغله العباسيون فى شعرهم التعليمى الذى صنفوا فيه أهل المقالات وتحدثوا عن عجائب الخلق وقصّوا وساقوا الحكم والأمثال (٢).

أبو النجم (٣) العجلىّ

من أهل الكوفة، وكانت فيه فكاهة، فقرب من نفوس الولاة والأمراء والخلفاء، وله فيهم أمداح كثيرة، إذ نراه يمدح الحجاج وغيره من ولاة العراق كما يمدح سليمان بن عبد الملك وهشاما، وقد أقطعه الأخير بالكوفة أرضا تسمى الفرك، كان ينزل بها. وفى أخباره أنه قدم على زياد بن أبيه فرهبه رهبة شديدة، وخرج من عنده، وهو يقول (٤):

أقبلت من عند زياد كالخرف ... تخطّ رجلاى بخطّ مختلف

تكتّبان فى الطريق لام ألف

وفى ذلك ما يدل على أنه كان كاتبا. ويجمع الرواة على أنه كان سريع البديهة فى صنع الشعر ونظمه، ومن ثمّ كان يغلب الشعراء والرجّاز حين


(١) البيان والتبيين ١/ ٣٤٣ وانظر كتاب المكاثرة عند المذاكرة الطيالسى (نشر جاير) ص ٤٠.
(٢) انظر كتابنا «الفن ومذاهبه فى الشعر العربى (طبع دار المعارف) ص ١٣٩ وما بعدها.
(٣) راجع فى أبى النجم ابن سلام ص ٥٧٦ والموشح ص ٢١٣ والشعر والشعراء ٢/ ٥٨٤ وأغانى دار الكتب ١٠/ ١٥٠ والخزانة ١/ ٤٨، ٤٠١ والمبرد ص ٤٨٥ وما بعدها ومعجم الشعراء ص ١٨٠.
(٤) الخصائص لابن جنى (طبع دار الكتب) ٣/ ٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>