لئن أودعت خطّا من المسك خدّها ... لقد أودعت قلبى من الوجد أسطرا
فيا من لمملوك يظلّ مليكه ... مطيعا له فيما أسرّ وأظهرا
وهى من أبيات قالتها على البديهة مما يدل على شاعرية جيدة. وكانت محبوبة وأضرابها يتطارحن مع الشعراء خواطرهن الرقيقة، وليس من ريب فى أنهن عملن على أن يعبر الشعراء فى الحب عن حس دقيق وذوق مرهف. ونعرض بالتفصيل ثلاثة: شاعرين وشاعرة اشتهروا بكثرة ما نظموا من الغزل فى العصر، وهم خالد ابن يزيد الكاتب، ومحمد بن داود، وفضل.
خالد (١) بن يزيد الكاتب
كان أحد كتّاب الجيش، وأصله من خراسان، وليس بين أيدينا عنه أخبار كثيرة، وأول ما يلقانا من أخباره أنه كان على ديوان النفقات فى الجيش الذى خرج بقيادة على بن هشام أحد قواد المأمون للقضاء على فتنة بمدينة «قم» الفارسية وفى الطريق بلغ عليّا أنه شاعر فأحضره وأنس به واتخذه فى ندمائه. ولما وزر الفضل بن خالد للمعتصم قرّبه منه، حتى إذا أخذ المعتصم فى بناء سامرّا بادر خالد ينظم مقطوعة يشيد فيها بالخليفة وبناء تلك المدينة العظيمة، ونقلها الفضل إلى المعتصم فسرّ بها، وأمر لخالد بخمسة آلاف درهم، وينظم فيه وفى المدينة أشعارا أخرى ويغنىّ المغنون المعتصم بها، وينثر على خالد جوائزه. وظل قريبا منه ومن وزيره محمد بن عبد الملك الزيات. ولا نقرأ له أشعارا فى مديح الخلفاء فى العصر مع أنه عاصر منهم المتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدى والمعتمد، إذ يقال إنه توفى سنة ٢٦٢ وقيل بل سنة ٢٦٩. ويقول مترجموه إنه قصر نفسه على الغزل فكان لا ينظم إلا فيه، ولا يعنى بمديح ولا هجاء، ومع ذلك نجد له بعض الهجاء القليل فى بعض منافسيه من الشعراء، غير أنه لم يبرز فيه فانصرف عنه، وقصر نفسه على الغزل، ويقال إنه وسوس واختلط عقله
(١) انظر فى ترجمة خالد وأشعاره الأغانى (طبعة الساسى) ٢١/ ٣١ وطبقات الشعراء لابن المعتز ص ٤٠٥ وتاريخ بغداد ٨/ ٣٠٨ والديارات (انظر الفهرس) ومعجم الأدباء ١١/ ٤٧ والنجوم الزاهرة ٣/ ٣٦ وله ديوان مخطوط بالمكتبة العمومية بدمشق