للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمينا بأنى لو بليت بفقدها ... وبى نبض عرق للحياة وللنكس

لأوشكت قتل النفس عند فراقها ... ولكنها ماتت وقد ذهبت نفسى

وكثير من الجوارى فى العصر كن ينظمن الشعر ويحسنّ نظمه، وكنّ- كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع-يكتبن أبياتا منه على طررهن وعصائبهن وجوانب ثيابهن. فيوقدن الحب فى قلوب الرجال ويشعلنه إشعالا. ونرى ابن المعتز يفرد لمجموعة منهن صحفا فى كتابه طبقات الشعراء المحدثين. ويذكر بينهن عريب وفضلا الشاعرة، والخنساء جارية هشام المكفوف. ومن الجوارى اللائى كن يحسنّ الشعر إحسانا بعيدا محبوبة جارية المتوكل، وكانت قد أدّبت وثقفت، وتمرنت على قول الشعر حتى أحسنته. وكانت تلحّنه وتغنى به على العود.

وكانت تحلّ من قلب المتوكل محلا رفيعا، ويروى أنه غاضبها ذات يوم، ولم يلبث قلبه أن نازعه إليها. فاقترب من حجرتها، فإذا هى تضرب على عود وتغنىّ على ضربها مصوّرة لوعتها من خصامه ومغاضبته وأنها لا تطيق الصبر عن لقائه (١):

أدور فى القصر لا أرى أحدا ... أشكو إليه ولا يكلمنى

حتى كأنى أتيت معصية ... ليس لها توبة تخلّصنى

فمن شفيع لنا إلى ملك ... قد زارنى فى الكرى وصالحنى

حتى إذا ما الصباح عاد لنا ... عاد إلى هجره وقاطعنى

فصفّق المتوكل طربا. ودخل إليها. وتصالحا. ويروى أنه رأى ذات يوم جارية من جواريه كتبت على خدها بالمسك اسمه: «جعفرا» فأعجبه ذلك وتمنى لو صوّر ذلك شاعر من شعرانه: البحترى أو على بن الجهم أو مروان بن أبى الجنوب. وبادرت محبوبة ممسكة بعودها، وتغنّت (٢):

وكاتبة فى الخدّ بالمسك جعفرا ... بنفسى محطّ المسك من حيث أثّرا


(١) مروج الذهب ٤/ ٤٣ والأغانى (طبعة الساسى) ١٩/ ١٣٤.
(٢) مروج الذهب ٤/ ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>