للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهداها الخلفاء على مرّ السنين. وروى المؤرخون أنه كان فى أثناء هذا العمل الوحشى الفظيع يترنّم بأشعار له مبتهجا؛ وكأنما كان يشفى غليل نفسه من الإسلام وصاحبه وأهله بما ارتكبه من هذه الخطايا الموبقات، وبما كان ينشده من هذه الأشعار التى يحادّ بها الله ورسوله من مثل قوله (١):

ولو كان هذا البيت بيتا لربّنا ... لصبّ علينا النار من فوقنا صبّا

لأنا حججنا حجّة جاهليّة ... محلّلة لم تبق شرقا ولا غربا

ولكنّ ربّ العرش جلّ جلاله ... ولم يتخذ بيتا ولم يتخذ حجبا

وكأنه بذلك يعلن كفره، صريحا غير موار، بفريضة الحج إلى بيت الله، التى تعدّ ركنا أساسيّا من أركان الإسلام. وبذلك يتضح أن أبا طاهر لم يكن ثائرا عنيفا فحسب مثله مثل يحيى بن زكرويه وصاحب الزنج، بل إنه يتقدمهما خطوات فى الثورة الدامية والعنف والانفصال عن العلويين، إذ خلع الإسلام كله من عنقه ومضى يحارب أهله ويسيل دماءهم ويذبحهم ذبحا حيث لا يحل صيد الحيوانات ولا الطيور، غير ما انتهكه من حرمات بيت الله المقدس انتهاكا ليس له سابقة ولا لاحقة فى التاريخ. ولعل من الخير أن نبسط القول قليلا فى شاعرين ثارا على الخلافة العباسية فى القرن الثالث الهجرى، وهما محمد بن البعيث وبكر بن عبد العزيز بن أبى دلف.

محمد (٢) بن البعيث

من فتيان بنى أسد نزلت عشيرته فى أذربيجان، واشتهر أبوه بأنه كان من الفتّاك الصعاليك، واستطاع محمد أن يمتلك فى تلك الديار قلعتين: قلعة تسمى شاهى وأخرى تسمى بكدر، وكانت شاهى أشد مناعة فكان يقيم فيها كثيرا.

واشتهر أمره فى عصر المعتصم وحروب بابك، فإنه كان يحاول أن يكون محايدا بين الطرفين المتخاصمين، فإذا نزلت سرايا أحدهما أضافها وأحسن الضيافة، وهو فى أثناء ذلك يراوغ، وقد ينقل للجيش العباسى وقواده أخبار بابك، وقد ينقل إلى بابك


(١) تكملة تاريخ الطبرى للهمدانى ص ٦٢.
(٢) انظر فى ثورة محمد بن البعيث وأخباره الطبرى ٩/ ٢٥، ٢٧، ١٦٤، ١٦٥، ١٧٠، ١٧١ ومروج الذهب ٤/ ٤١ ومعجم الشعراء ص ٣٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>