للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تابعهما باسم المعتزلة. وقد اجتذبا إلى آرائهما كثيرا من الأتباع والدعاة، تسندهما فى ذلك دراسة مستفيضة لآى القرآن الكريم وعقل دعماه بالمنطق وأدلته الدقيقة. ومضى أتباعهما على شاكلتهما يجمعون بين الدين والفلسفة، فازدهر الاعتزال وأصبح فى العصر العباسى الأول أهم مذاهب المتكلمين،

وإنما أطلنا فى هذا الجانب لندل على أن العقل العربى فى عصر بنى أمية أمدّته روافد كثيرة، دعمته دعما، مما كان له آثار بعيدة فى أشعار الشعراء، إذ كانوا مندمجين فى الفرق السياسية والعقيدية وما نشب بينها من مجادلات، ويسوق الرواة من ذلك مجادلة بين ذى الرّمّة ورؤبة فى القدر، وكان أولهما قدريّا وثانيهما جبريّا (١). وبتأثير هذه المجادلات تحوّل جرير والفرزدق يتجادلان جدالا عنيفا فى عشيرتيهما من جهة وفى قيس وتميم من جهة ثانية على نحو ما هو معروف فى نقائضهما، وكأنهما يتحولان بشعر الهجاء والعصبيات القديم إلى ما يشبه مقالات أهل النّحل. وكلّ ذلك من آثار هذا التطور الذى أصاب العقل العربى، والذى جعله يندفع فى البحث والمناظرة والتدرب على جمع البراهين والأدلة فى أى موضوع يعرض له.

وكان من ثمار هذا التطور أيضا أن رأينا بعض الشعراء يسعى بشعره إلى غاية تعليمية، إذ أخذ بعض الشعراء المعلمين من أمثال الكميت والطّرمّاح يحشدون فى أشعارهم أوابد اللغة وشواردها، ليعينوا الناشئة على معرفتها. ولم يلبث الرّجّاز وعلى رأسهم العجّاج ورؤبة أن قدّموا من ذلك مادة وفيرة للناشئة ولعلماء اللغة.

[٦ - الاقتصاد وموقف العرب من الموالى]

لا ريب فى أن للمؤثرات الاقتصادية أثرا كبيرا فى حياة الإنسان، وبالتالى فى كل ما ينتج من أعمال وآثار. وإذ أخذنا ننظر فى حياة الشعراء لهذا العصر وجدنا للاقتصاد أثره العميق فى اتجاهاتهم، وهل نستطيع تفسير شيوع الغزل


(١) أمالى المرتضى ١/ ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>