وأرسل معه تسعة من الفقهاء، وكلفهم بالعمل جميعا على نشر الدين الحنيف، ودخله مغاربة كثيرون من كل أنحاء المغرب. وتوفى الخليفة عمر بن عبد العزيز سريعا، وتولى الخلافة يزيد بن عبد الملك، فأرسل إلى القيروان يزيد بن أبى مسلم صاحب شرطة الحجاج سنة ١٠٢ هـ/٧٢٠ م. ويبدأ عهد جديد فى المغرب لولاة بنى أمية، عهد يقوم على الخسف والظلم للبربر فى جمع الضرائب والأموال، ولم يطق البربر الصبر على سياسة هذا الوالى الجائرة فقتلوه فى السنة التالية، وكان ذلك عبرة وعظة ليزيد بن عبد الملك فولّى عليهم بشر بن صفوان وخلفه سنة ١١٠ هـ/٧٢٨ م عبيدة بن عبد الرحمن السلمى، ولا تؤثر لأحدهما أعمال جليلة يؤلف بها قلوب الرعية المغربية. ويتولى عبيد الله بن الحبحاب سنة ١١٤ هـ/٧٣٢ م ويذكر له إعادة بناء جامع الزيتونة الذى بناه قبله حسان بن النعمان، وقد ساس الرعية هو وعماله سياسة متعسفة ظالمة أشد الظلم، إذ أرهقوا البربر بضرائب فادحة، وأبوا أن يسووا بينهم وبين العرب فى الخراج وجميع الشئون المالية، كما تقضى بذلك شريعة الإسلام، متعامين عن أنهم أصبحوا للعرب رفقاء سلاح وجهاد فى الأندلس وفى المغرب نفسها، وبلغ من سفه عامل طنجة القائم على شئونها المالية أن أعلن للمغاربة هناك أنه عازم على تخميس أراضى البربر زاعما زعما كله إثم وكذب وبهتان أنهم فيء للعرب وغنائم حرب لهم.
[(ب) ثورة الصفرية]
لم يتنبه حكام بنى أمية وعمالهم فى القرن الثانى الهجرى إلى أن من الخطأ بل من أكبر الخطأ هذه المعاملة الظالمة للمغاربة بعدم التسوية بينهم وبين العرب فى الشئون المالية، مع أنهم أصبحوا رفقاء سلاح وجهاد وأسهموا معهم فى فتح الأندلس ونشر دين الله، بل كان لهم فى ذلك النصيب الأوفر، وكان الإسلام قد استقر فى ديارهم وأصبح لهم فيه شيوخ كثيرون يفقهون تعاليمه وما يفرضه من العدل والتسوية بين أتباعه، لذلك انطوت نفوس كثيرين منهم على سخط شديد لحكام بنى أمية وعمالهم. وانضاف إلى ذلك أن كثيرين من أتباع فرقتى الصفرية والإباضية نزلوا المغرب فرارا من اضطهاد الأمويين، واختار الأولون المغرب الأقصى واختار الثانون جبل نفوسة بجوار طرابلس، ووجدت كل فئة منهما الجو مهيئا لترويج دعوتها القائلة برفع الظلم عن أبناء الأمة الإسلامية والتسوية بينهم جميعا فى الشئون المالية، وكأنما وجد مغاربة جبل نفوسة فى الدعوة الإباضية مخلصا لهم من ظلم حكام بنى أمية وبغى عمالهم، وأحسّ مغاربة المغرب الأقصى فى دعوة الصفرية نفس الإحساس. وملأ نفوسهما جميعا إيمانا بدعوتيهما ما تقرران من التسوية حتى فى تولى الخلافة فلا يصح أن تقصر على قريش، بل هى حق للمسلمين جميعا عربا وغير عرب يتولاها أكفؤهم. ولم يعد فى المغرب الأقصى شخص يسمع بدعوة الصفرية إلا ويستجيب إليها ضد من يسومونهم العذاب فى سلب أموالهم