للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تدير الحكم فى أكثر أجزاء المغرب الأقصى.

(ب) الطرق (١) الصوفية

أخذت الطرق الصوفية تكثر فى المغرب الأقصى منذ القرن الثامن الهجرى، مثله فى ذلك مثل بقية البلاد المغربية، وأخذت تكثر معها الزوايا، وعادة يكون بها ضريح لمؤسسها الصوفى أو لصوفى كبير ومصلّى ومساكن لبعض العلماء والطلاب الغرباء، وكان أهل اليسار يقفون على هذه الزوايا أوقافا كثيرة، وتتلى فيها الأوراد وتقام الأذكار، وقد تنعقد فيها بعض الدروس، فتكون دارا للتعليم والوعظ والنسك. ولما فسدت الحياة السياسية فى أواخر عهد الدولة المرينية وضعف الحكام عن مواجهة أعداء الوطن البرتغاليين فى القرن التاسع الهجرى أخذ أهل المغرب الأقصى يلوذون ببعض أصحاب هذه الطرق آملين أن يجدوا عندهم الحمية للذود عن دار الإسلام وإنقاذ الوطن من هذا البلاء المستطير، والتفّ كثيرون منهم حول صوفى شاذلى صالح هو الشيخ محمد بن سليمان الجزولى صاحب كتاب دلائل الخيرات المتوفى سنة ٨٧٠ هـ‍/١٤٦٥ م متوسمين فيه أن يستجيب لهم، واستجاب، وتقدم مع جموع كثيرة من مريديه الصوفية وغيرهم يتصدى للبرتغاليين وينازلهم منازلة ضارية. وبذلك حوّل الصوفية من جماعة تعيش للنسك وحده إلى جماعة مجاهدة فى سبيل الله تجاهد أعداء الدين والوطن من البرتغاليين النصارى، وانتصر عليهم بمن آزروه من الصوفية وغيرهم مرارا، غير أن خائنا اغتاله، ليقف جهاده. ولم تلبث الدولة السعدية أن قامت واستطاع حكامها البواسل أن يستردوا كل ما أخذه البرتغاليون واستولوا عليه من موانى المحيط الأطلسى ومدنه كما أسلفنا وقد نازلوهم فى معركة وادى المخازن كما مر بنا ولم تلبث المعركة أن استحالت إلى ما يشبه مذبحة كبرى للبرتغاليين، فردّوا إلى صوابهم ولم يعد يمر بخاطرهم أن يستولوا على أى ميناء مغربى على المحيط، بعد أن كادوا يستولون على الساحل جميعه بمدنه وموانيه. وخاب الأمل فى أبناء المنصور الثلاثة كما مر بنا فقد تنازعوا على العرش، وتنازل أحدهم-وهو المأمون-لإسبانيا عن مدينة العرائش جنوبى منطقة الهبط ولم يلبث الإسبان أن أسسوا لهم فى العام التالى بالقرب من مصب نهر سبو فى المحيط مدينة سميت المعمورة واسمها الآن المهدية وتنازل لهم البرتغاليون عن سبتة وطنجة فى الشمال وكذلك عن الجديدة فى منطقة دكالة وأزمّور. وشقّ ذلك على المغاربة. ولاذوا-من جديد-بالمتصوفة يأملون أن يرفع أحدهم لواء الجهاد للعدو الإسبانى فينضووا تحت لوائه، واتسعت الفتن واتسع اضطراب الأمور، وطمح كثيرون-حتى بين المتصوفة أصحاب الزوايا-أن يأخذوا بلادا أو أجزاء واسعة من الدولة التى توشك على


(١) انظر فى الطرق الصوفية ونشاطها السياسى ما كتبه الدكتور محمد حجى عن الزاوية الدلائية ودورها الدينى والعلمى والسياسى (طبع الدار البيضاء) والاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى للسخاوى ونشر المثانى لأهل القرن الحادى عشر والثانى للقادرى تحقيق محمد حجى وأحمد التوفيق (طبع دار الغرب).

<<  <  ج: ص:  >  >>