للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الخامس

النّثر وأنواعه

[١ - تنوع الكتابة]

كانت نجد أقل بيئات الجزيرة عناية بالكتابة لصعوبة حصولها على الورق والحبر وغيرهما من وسائلها المادية، وأغلب الظن أن الإمارتين اللتين تأسستا فى شرقيها لأوائل هذا العصر: إمارة بنى مزيد فى الحلّة وبنى عقيل فى الموصل كانتا تعنيان بالكتابة، فابن خلكان يذكر أن على بن أفلح الكاتب الشاعر المتوفى سنة ٥٣٧ للهجرة كان يكتب بين يدى أمير من أمراء بنى مزيد فى شبيبته (١) ونظن أنه كان لأمراء بنى عقيل كتاب يكتبون بين أيديهم على شاكلة ابن أفلح كاتب بنى مزيد. غير أنه ليس بين أيدينا رسائل للإمارتين جميعا، مما يدل على أن هذا النشاط الكتابى فيهما كان محدودا. ومرّ بنا فى غير هذا الموضع أنه نشأت فى الشمال الغربى للجزيرة إمارات بدوية لآل فضل وآل مرا وآل على، كانت تدين بالولاء لحكام مصر من الأيوبيين والمماليك، وفى صبح الأعشى مراسيم كثيرة صادرة من مصر بإمرة أمرائهم، وكذلك لآل مهدى فى البلقاء، غير أننا لا نعثر بردّ من أحدهم أو بعبارة أدق برسالة موجهة إلى مصر أو أحد حكامها المختلفين، وبالمثل لا نجد كتابات أو كتبا موجهة من أواسط نجد إلى خارجها، فقد كانت بعيدة عن الحضارة وأكثر بداوة من أطرافها الشرقية والغربية، ولعل ذلك ما جعل القلقشندى يقول: «إنه لا اعتناء لأهل البادية بفن الإنشاء جملة، وإنما يكتب عنهم بحسب ما يقتضيه حالهم، على أن فيما يأتون به مقنعا من الفصاحة والبلاغة بكل حال، إذ عنهم قد علم اللسان وعليهم فيه يعوّل (٢)». وهو قول دقيق وصحيح.

وإذا تركنا نجدا إلى الحجاز وخاصة مكة وجدنا أمراءها يتخدون كتّابا للإنشاء، أو بعبارة أدق ليكتبوا ما يريدون من رسائل فى مخاطبة سلاطين مصر وحكام اليمن والعراق.


(١) وفيات الأعيان لابن خلكان ٢/ ٤٩١.
(٢) صبح الأعشى ٨/ ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>