للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى صبح الأعشى عهد فى صورة يمين لأبى نمىّ أمير مكة حلف بها لقلاوون. وفيه صور مختلفة لتنصيب أمراء مكة والمدينة وما كان يكتبه لهم سلاطين المماليك فى هذا التنصيب (١)، إذ كان لهم أمر توليتهم وعزلهم، فقد كانتا تتبعان مصر منذ عصر الأيوبيين، بل فى حقب كثيرة منذ عصر الفاطميين. وكانت مصر فى أثناء ذلك هى التى تعيّن أصحاب الوظائف الكبرى فى البلدتين، وخاصة فى القضاء وفى مشيخة الحرم النبوى، وفى صبح الأعشى نماذج مختلفة لهذا التعيين، تذكر فيها واجبات الوظيفة (٢).

ويكثر تبادل الرسائل الشخصية بين العلماء والأدباء فى مكة والمدينة والطائف على نحو ما يلقانا فى كتاب سلافة العصر لابن معصوم، وتلقانا فيه خطب زواج طريفة إذ ظلوا يحتفظون فى عقد الزواج بهذا التقليد القديم، وهى خطب منمقة يشيع فيها السجع، على نحو ما نقرأ لأحد القضاة، وهو تاج الدين بن أحمد إمام المالكية بالمسجد الحرام من قوله فى خطبة زواج: «إن الزواج جنّة تتّقى بها الفتنة، وجنّة يتلى على متفيّئ ظلالها: {اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} تثمر رياضه الرحمة بين الزوجين والوداد، وتطلع زينة الحياة الدنيا إذا احتملت غرائسه ثمرة الفؤاد، وتسفر ليلته عن طرّة صبح تحت أذيال الدّجى، ويتبلّج يومه عن شمس تتوارى بحجاب الحجال (٣) والحجا، وهو الغرض الذى لا يخطئ قاصده الإصابة، والعرض الذى لا يقوم إلا بجوهر أفخر عصابة، والحصن الذى يعتصم به عن الوقوع فى حمى الحرج، ويحتمى به من مصارع الرجال التى هى ما بين معترك الأحداق والمهج، والوسيلة التى يتوسّل بها الآخذ بزمام التقوى إلى مطلوبه، وينشده بلبل الأفراح هنيئا لمن أمسى سمير حبيبه، وناهيك فى فضله ما ورد فيه من الآيات، والأحاديث الثابتة فى صحيح الروايات (٤)» والتنميق فى الخطبة واضح.

ومرّ بنا فى الحديث عن الثقافة كيف تحول الحرمان: المكى والمدنى إلى ما يشبه جامعتين كبيرتين لكثرة العلماء من كل صنف فى البلدتين المقدستين ولكثرة المجاورين بهما من كبار علماء العالم الإسلامى. وشاعت منذ القرن الخامس الهجرى كتابة الإجازات العلمية، فالعالم الكبير يكتب لبعض طلابه النابهين إجازات بمروياته ومصنفاته، وعادة يذكر من أخذ عنهم المرويات من شيوخه، ويكتب فى صدر الإجازة تنويها بالعلم وفضله وبالتلميذ ونباهته، ثم يسرد المؤلفات والمرويات. وبجانب هذه الإجازات أخذ يتكاثر تقريظ


(١) صبح الأعشى ١٢/ ٢٣٣، ٢٤٢ وما بعدهما.
(٢) صبح الأعشى ١٢/ ٢٤٠، ٢٥٨ وما بعدهما.
(٣) الحجال: ستر أو أستار تضرب للعروس فى جوف البيت. الحجا: العقل.
(٤) سلافة العصر ص ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>