للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حية فى ديار الشام هى والعلوم الدينية، وأيضا العلوم اللغوية، حتى ليلقانا من حين إلى حين نابغون فى الدراسات الدينية وفى الشعر والنقد والتصوف والتاريخ.

[٢ - علوم الأوائل-علم الجغرافيا]

[(ا) علوم الأوائل]

مرّ بنا-فى فاتحة الفصل-أن الشام شاركت فى التراث اليونانى منذ انتشرت فيها الثقافة الهيلينية وبخاصة فى ثغورها: صور وصيداء وبيروت وأنطاكية. وظلت هذه المشاركة مستمرة حين اعتقت المسيحية. فكان كثيرون من سكان الأديرة ورهبانها يعرفون ما لليونان من تراث فى الفكر الفلسفى والعلمى، ومنهم من كان يحذق اليونانية، وبذلك كانت الأديرة مراكز للثقافة الهيلينية قبل الفتح الإسلامى وبعده. وبالمثل ظلت أنطاكية وبعض الثغور الشامية تعنى بتلك الثقافة.

ويلقانا فى عهد معاوية طبيبان من الأطباء المتميزين فى دمشق حينئذ هما ابن أثال، ويقول ابن أبى أصيبعة إنه كان خبيرا بالأدوية المفردة والمركبة (١)، وأبو الحكم وكان عالما بأنواع العلاج والأدوية (٢). وهما يرمزان إلى ما نقوله من أن التراث العلمى اليونانى، وبخاصة علم الطب، ظل حيا فى ديار الشام، مما أتاح لخالد بن يزيد بن معاوية أن يتعلق به، وقال مترجموه إنه كان يشغف بكتب الكيمياء والطب والنجوم، كما قالوا إنه أحضر من الإسكندرية بعض الفلاسفة الحاذقين لليونانية والعربية وأمرهم أن يترجموا له كتبا فى الكيمياء، ويبدو أنه تعمقها حتى استطاع أن يؤلف فيها كتبا ورسائل، يقول صاحب الفهرست: «رأيت من كتبه كتاب الحرارات وكتاب الصحيفة الكبير وكتاب الصحيفة الصغير وكتاب وصيته فى الصنعة (الكيمياء)» (٣). ونمضى بعد خالد فنلتقى بالخليفة عمر بن عبد العزيز، ويقول ابن أبى أصيبعة إنه نقل تدريس علوم الأوائل من الإسكندرية إلى أنطاكية وحرّان (٤) وناقش ماكس مايرهوف هذا القول وأثبت بطلانه (٥)، إذ كانت أنطاكية وحران جميعا من المراكز التى عنيت قديما بدراسة التراث اليونانى. وربما دفع ابن أبى أصيبعة إلى هذا القول أنه رأى عمر يستقدم طبيبا من الإسكندرية هو عبد الملك بن


(١) طبقات الأطباء لابن أبى أصيبعة (نشر دار مكتبة الحياة ببيروت) ص ١٧١.
(٢) ابن أبى أصيبعة ص ١٧٥
(٣) الفهرست ص ٣٣٨
(٤) ابن أبى اصيبعة ١٧١
(٥) انظر مقالة ماكس مايرهوف: من الاسكندرية إلى بغداد فى كتاب التراث اليونانى للدكتور عبد الرحمن بدوى

<<  <  ج: ص:  >  >>