للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان قد تصادف أن المطر لم يسقط فى سنة ٧٠٩ بأرض مصر وقصّر النيل فى فيضانه أجدبت بعض البلاد وارتفع السعر. وعفا الناصر عن الشيخين فى انضمامهما ضده إلى بيبرس الجاشنكير، وكان ابن عدلان يتولى نيابة الحكم فأعفاه منها، ومرّ به ابن عبد الدائم فأنشده:

والله ما سرّنى عزل ابن عدلان

فقال له: جزيت خيرا. فأكمل البيت قائلا:

من غير صفع ولا والله أرضانى

وشاعت القصيدة. وكان آخر شيخ رماه بسهام هجائه قاضى القضاة بدر الدين بن جماعة وكان يشرف على الأوقاف، وكأنه أراد أن يبتزّه، وكانت فيه صرامة فازدراه فانتقم لنفسه بهجائه وهجاء ابنه سنة ٧١٣ وكان فقيها ورعا مثل أبيه، وتمضى القصيدة على هذا النمط.

متى يسمع السلطان شكوى المدارس ... وأوقافها ما بين عاف ودارس (١)

يموت عديم القوت بالجوع حسرة ... ويشبع بالأوقاف أهل الطّيالس (٢)

وأخذ يتهم القاضى وابنه بعظائم هما منها براء، وكلها كذب وبهتان وافتراء، وكاد القاضى ينزل به عقابا صارما لولا أن تدخل بعض الأمراء واستعفاه فعفا عنه. وازدراه الناس بعد هذه الحادثة ازدراء شديدا، وساءت حالته، فإن لحوم العلماء مسمومة. وأخذ يتنقل فى البلاد لا يتحرى طريق الرشاد إلى أن عاجلته منيته حوالى سنة ٧٢٠ وكأنما كان غمة زالت عن صدور الناس والشيوخ فى زمنه.

حسن (٣) البدرى الحجازى الأزهرى

يقول الجبرتى فى ترجمته: «كان عالما فصيحا مفوها متكلما منتقدا على أهل عصره وأبناء مصره» ويقول كان أبوه ملازما لقراءة كتاب الصحاح الستة: صحيح البخارى وصحيح مسلم وسنن ابن ماجة وسنن أبى داود وسنن النّسائى وجامع الترمذى. وقد تفتحت موهبة الابن فى سن


(١) عاف ودارس: ممحو زائل.
(٢) الطيالس: جمع طيلسان وهو كساء كان خاصا بعلماء الدين تمييزا لهم.

(٣) انظر فى حسن البدرى الحجازى الأزهرى تاريخ الجبرتى ١/ ٧٥ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>