عرفنا فى كتاب العصر العباسى الأول أن حزب الخوارج الذى كان يصارع الأمويين مصارعة عنيفة خمد أواره، ولم تسبق منه حينئذ إلا أسراب قليلة حتى إذا كنا فى هذا العصر العباسى الثانى كادت تجفّ هذه الأسراب، ولم يعد من يعلن أنه خارجى أو يدافع عن الخوارج إلا أفراد قد نجدهم هنا أو هناك دون أن يكوّنوا حزبا أو يعملوا على نشر دعوة، إنما هى أفكار قد تعنّ لشخص، وقد يتبنّاها، ولكن دون أن يحمل من أجلها السلاح ودون أن يتغنّى بها شعرا، إلا ما كان من صاحب الزنج فإنه مزج فى دعوته بين التشيع ومذهب الأزارقة من الخوارج على نحو ما مر بنا فى غير هذا الموضع، إذ كان يستحلّ قتل أطفال المسلمين ونساءهم ويرى المسلمين جميعا كفارا ينبغى استفصالهم، بالضبط على نحو ما كان يذهب الأزارقة. ولكن حتى هذه الحركة الثائرة حركة الزنج لا تستطيع أن نسميها حركة من حركات الخوارج، لأنها كانت تزعم أو يزعم صاحبها أنها حركة شيعية ناسبا نفسه إلى فاطمة الزهراء كذبا وافتراء. وكأنما كان اضمحلال مذاهب الخوارج هو الذى جعله ينسب دعوته إلى البيت العلوى.
أما حزب الشيعة فقد ظلت نيرانه لا تخمد فى هذا العصر، بل لعلها ازدادت اشتعالا، بكثرة من كانوا يثورون من العلويين فى الحجاز وفى طبرستان وشرقى الدولة، وكان وراء هذه الثورات شعر كثير يؤازرها ويناصرها ويرمى بقذائفه وشعله على العباسيين. وكان كثير من الشعراء يقف مع العباسيين، بل لقد كانت كثرتهم