بينما تقبّل الأمواج الأرض بين يديه، ويصف من بها من الجوارى الحسان والفرسان الشجعان، ثم يهاجم متصوفتها وعلماءها. ولا يلبث أن يكوى المفتى دون ذكر اسمه بسياط من الهجاء المقذع من مثل قوله:
«لوقارنه السّعد الأكبر إلى أعلى علّيين، حملته بنات نعش إلى أسفل سافلين، أعمى البصيرة والبصر، عار على آدم أبى البشر، إنما خلق اعتذارا لإبليس فى ترك السجود، وأنّى يقبل له عذر وهو كفور جحود. . وما أحسنه فى زوال النعم، وأقبحه إذا قضى له الدهر بدولة وحكم».
ويختم المقامة بمديح السلطان العثمانى حينذاك. ويذكر بعدها مقامة الغربة راويا لها عن الربيع ابن ريان عن شقيق بن النعمان، وفيها يصور فساد الأمور فى القسطنطينية، ويوجه إلى المفتى المذكور فيها قصيدة هجاء لاذعة. ويتلوها بالمقامة الساسانية، وقد استعار اسمها من الحريرى فى مقامته التاسعة والأربعين، وفيها صور الفقهاء والعلماء فى القسطنطينية كأنهم جميعا أهل كدية واستجداء يتقدمهم المفتى. ويقول قد فقد العلم لولا بقايا شرح الله بهم صدر الدين. ويدعو للدولة العثمانية بالازدهار. ويعارض بالمقامة الرابعة رسالة لرشيد الدين الوطواط المترجم له فى قسم إيران كتبها فيمن كان يزاحمه فى أداته ودواته وعمله فى ديوان الدولة الخوارزمية وفيها يزرى بصاحبه ويحط منه حطا شديدا، ونسج الشهاب الخفاجى على منواله فى صنع هذه المقامة قاصدا بها المفتى خصيمه مسميا له باسم الوزير، وفيها يضع منه ويهجوه هجاء مرا، ويصور قصته معه وأنه سمع قول الوشاة ونفاه ويمثّل به تمثيلا شديدا. والمقامة الخامسة سماها المقامة المغربية، اقترض اسمها من لدن الحريرى وتسميته لمقامته السادسة عشرة بالمقامة المغربية، والشهاب الخفاجى يكثر فى مقامته تلك من بعض الأمثال والأعلام والمقتطفات من الأشعار وبعض أقوال الحكماء والألفاظ الغربية، ولذلك أتبعها بشرح لما استظهره فى المقامة من ذلك كله.
[٤ - المواعظ والابتهالات]
فرض الإسلام الوعظ فى خطب صلاة الجمعة من كل أسبوع، وفى خطب صلاة العيدين، وكان يتولاهما أئمة المساجد، وأحيانا خلفاء الأمة، واشتهر كثير من الوعاظ نسمع عنهم فى كل بلدة، غير أن المصادر قلما احتفظت بمجاميع من خطبهم إلا ما كان من خطب ابن نباتة خطيب