الشعر التعليمى من الموضوعات الشعرية التى ابتكرها الشعراء فى العصر العباسى الأول بتأثير اتساع الثقافة ورقى الفكر العربى، إذ أخذ بعض الشعراء ينظم فى التاريخ وبعض العلوم، وفى مقدمتهم أبان بن عبد الحميد الذى ترجم عن الفارسية قصص كليلة ودمنة، وقد اقترح له هو ومعاصروه نمطا مستحدثا من الشعر هو نمط الشعر المزدوج الذى ينظم من وزن الرجز، وتتحد القافية به فى شطرى كل بيت. وأخذ هذا النمط من الشعر التعليمى يشيع فى البلدان العربية منذ القرن السادس، فنظم به كثير من المتون العلمية، وألّفت لها شروح كثيرة. ولم تبق بلدة عربية إلا وشارك علماؤها فى نظم هذه المتون وفى وضع شروحها، وأكثروا من نظم مسائل الفقه والنحو والتصريف. وكان للمغرب الأقصى فى ذلك مشاركة خصبة، ومن كبار الناظمين به لهذا الشعر التعليمى محمد بن أحمد بن غازى من العصر المرينى، وله فيه منظومات تعليمية فى التاريخ ومختلف العلوم، ومنها منظومته المنية فى علم الحساب. وكثر هذا الشعر فى العصر السعدى، ونجد المقرى فى كتابه روضة الآس ينشد للشعراء من معاصريه أشعارا تعليمية متنوعة فى مسائل العلوم. ولشعراء المغرب الأقصى-فى مختلف العصور-شعر كثير فى الوصايا والحكم، ولعمر الفاسى المتوفى سنة ١١٨٨ للهجرة قصيدة فى الأمثال والحكم نظمها على مثال لامية العجم، غير أنه وقف بها عند نحو ستين بيتا ويهمنا فى العرض الأدبى لهذا الشعر أن نقف عند منظوماته التاريخية والعامة فى الأدب، ونختار لذلك شاعرين هما عبد العزيز الملزوزى وابن الونان.
عبد (١) العزيز الملزوزى
مكناسى الأصل وأكبّ منذ نعومة أظفاره على التثقف بالعلوم اللغوية والشعر العربى حتى تفتحت موهبة الشعر فيه، وقدم إلى المنصور يعقوب المرينى فأعجب به وأصبح شاعره، وهو لا يكتفى بمديحه العام له، بل ينظم فيه وفى أسرته ملاحم تاريخية بارعة، من ذلك ملحمته الكبرى:«نظم السلوك فى الأنبياء والخلفاء والملوك» وهى منظومة تاريخية يعرض فيها التاريخ من أعتق الأزمنة، حتى زمن يعقوب المرينى، وفى فاتحتها يقول:
الحمد لله مغيث الدين ... بالملك المنصور من مرين
ولا يلبث أن يقول:
(١) انظر فى ترجمة الملزوزى وشعره التاريخى الإحاطة لابن الخطيب ٤/ ٢٠ والوافى ٢/ ٣٦٥ والنبوغ المغربى ١/ ٢٣٦، ٣/ ٢٩.