سميتها من حسنها نظم السلوك ... فى الأنبيا والخلفاء والملوك
وأذكر الأمر على الترتيب ... مختصرا بأحسن التقريب
من عهد آدم إلى زماننا ... أختمها بالغرّ من أملاكنا
وهو يمضى فى سرد التاريخ منذ أقدم العصور، حتى إذا وصل إلى دولة بنى مرين ومليكها يعقوب المنصور أخذ يفصّل الحديث فى تاريخه وأحداثه ومجالسه، وكأنما هو الغاية المبتغاة من تأليف منظومته، وفيه يقول:
قد ألبس الوقار والسّكينه ... وحلّ فى مكانة مكينه
حتى إذا ما حان وقت الظهر ... قام إلى بيت النّدى والفخر
يبقى إلى وقت صلاة العصر ... يأتى بقصد نهيه والأمر
فينصف المظلوم ممن ظلمه ... ولم يزل إلى صلاة العتمه (١)
وأمّن الغرب من الفساد ... ونشر العدل على العباد
وخضعت مرين تحت قهره ... وأذعنوا لنهيه وأمره
ورفع الظلم عن الرّعيّه ... وقمع الطغاة فى البريّه
وهو يصور يعقوب المنصور المرينى يحفّ به الوقار والجلال والسكينة، ويحلّ فى مرتبة رفيعة، حتى إذا حانت صلاة الظهر أسرع إلى مسجده يؤديها، ويأتى بعد صلاة العصر لإبرام أوامره ونواهيه وإنصاف المظلومين، ويظل حتى صلاة المغرب، وقد نشر الأمن فى البلاد وأخلاها من الفساد، ونشر العدل فى الناس، وخضعت له قبائل مرين وأذعنت له، ورفع عن الرعية كل ظلم عانت منه وقمع الطغاة الذين ظلموها ظلما فادحا.
وينظم الملزوزى قصيدة تاريخية ثانية فى المنصور يعقوب وجهاده للإسبان فى ديارهم نصرة لبنى الأحمر أمراء غرناطة، وقد بدأ هذا الجهاد سنة ٦٦٤ للهجرة إذ عبر الزقاق على رأس قوة مرينية كما مر بنا فى الفصل الأول ونكل بالإسبان، وعاد إلى هذا الجهاد مرارا سنة ٦٧٧ وسنة ٦٨١ واستولى على بعض حصونهم وسنة ٦٨٥ وكان كل ما يحوزه من حصونهم وبلدانهم، يقدمه إلى بنى الأحمر فى غرناطة متنازلا عنه لهم. فهو لا يجاهد نصارى الإسبان بقصد تكوين دولة عربية جديدة فى الأندلس، وإنما يجاهدهم انتصارا لدينه، إذ رأى بنى الأحمر يتخاذلون عن جهادهم وخشى عليهم عواقب هذا التخاذل، فامتعض للإسلام وأخذ ينازل الإسبان بجيوشه المرينية، وينزل بهم ضربات متوالية. والملزوزى يبدأ قصيدته بحمد الله جلّ فى علاه وتمجيده، ويستغرق ذلك أربعة عشر بيتا يختمها بنعمته الكبرى على المسلمين بإرساله فيهم الرسول صلّى الله عليه وسلم وما خصّه به من الإسراء والمعراج، ويلم بتحريضه لأتباعه على جهاد الكفار،