كان المجتمع فى موريتانيا يتألف من قبائل صنهاجة وعبيدهم من السودان، وكان هؤلاء العبيد يقومون لهم بكثير من الأعمال فى الزراعة وحفر الآبار وسقى المزروعات وكذلك فى المراعى ورعى الأنعام، ويقول ابن بطوطة فى رحلته إلى السودان ونزوله بتغازى بلدة مناجم الملح إن عبيد قبيلة مسوفة الصنهاجية هم الذين يقومون باستخراجه من الأرض وإعداده لحمله إلى بلاد السودان. ونزل موريتانيا فى أواخر القرن التاسع وأوائل العاشر الهجرى كثيرون من قبائل المعقل الذين كانوا ينزلون بالقرب من مدينتى سجلماسة والدرعة فى المغرب الأقصى وخاصة قبائل حسان، دفعهم المنصور الذهبى إلى الجنوب ليحموا فتوحه فى بلاد السودان واستقر كثيرون منهم فى موريتانيا مفضلين لها على بلاد السودان، لأنها بسطحها الرملى الصحراوى تشبه البوادى التى كانوا يستوطنونها جنوبى المغرب الأقصى. وأخذ كثيرون منهم يؤثرون أرض المراعى يرعون فيها أنعامهم متنقلين فيها وراء الكلأ، كما فى أرض تيرس الواسعة الواقعة غربى منطقة آدرار والممتدة جنوبا وغربا حتى المحيط الأطلسى، وهى منطقة شديدة الخصوبة، وهى قليلة المطر، غير أنه قد يكثر فيها أحيانا بل ربما توالى ذلك فى سنوات متعاقبة، ويسمونها سنوات الخصب، وتسمن فيها أنعامهم وإبلهم، حتى ليرفعون عن ضروعهم ما يشدونها به من نسيج الحبال، خوفا عليها من أن تفسدها كثرة اللبن ولذلك يتركون الفصلان ترضع أمهاتها متى شاءت ودائما يتفقد الرعاة الضروع لحلبها، وكثيرا ما يلقون باللبن على الأرض لعدم الحاجة إليه. ويكبر الفصيل سريعا حتى ليصبح صالحا للركوب فى سنة ولادته، ويسبب هذا الخصب وغزارة المراعى فيه ربما ولدت الناقة لسنتين ونحوهما، مما جعل الإبل فيها كثيرة، حتى ليقولون إنها تنبت الإبل، كما ينبت المطر النبات. وطبيعى
(١) انظر فى المجتمع الموريتانى كتاب وصف إفريقيا للحسن الوزان فى مواضع مختلفة وكذلك كتاب الوسيط فى تراجم أدباء شنقيط لأحمد بن الأمين الشنقيطى.