للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها نبذا يستدلّ بها على الباقيات. وتدل النّبذ على أنه كان يحشد فيها أوابد اللغة وشواردها وشواذها متقعرا فيها أبعد تقعّر، وهو تقعر لا يفيد حسنا ولا جمالا، وإنما يضيف صعوبات لغوية، وكأن الرسالة مجموعة من الألغاز، وكلما فك القارئ فيها لغزا لقيه لغز جديد، لا يقل عنه تكلفا وإغرابا. وقد استطاع أبو السّمح (١) سعيد بن سمرة أن يؤلف على نمط الحريرى لا رسالة سينية أو شينية، بل أن يؤلف رسائل كل رسالة منها كلماتها على حرف من حروف المعجم. ونصبح منذ القرن السادس حقا بإزاء رسائل شخصية معقدة غاية التعقيد، وحتى المحسنات البديعية مثل الجناس استحالت بدورها عقدا، وكأنما فارقت كل ما كانت تزدان به من حسن وجمال. وحرى بنا أن نتحول إلى الحديث عن كتّاب الرسائل الديوانية.

٢ - كتّاب الرسائل الديوانية

كانت الدواوين طوال هذا العصر كثيرة ومتنوعة، فكان هناك ديوان الخليفة وديوان الزمام الخاص بالشئون المالية وديوان الضياع والعقار وديوان الجيش وديوان النفقات وديوان الأوقاف وديوان التركات وديوان الجوالى أو الجزية الخاص بأهل الذمة وديوان السلّة الذى تحفظ فيه الكتابات الديوانية، وأهم من هذه الدواوين جميعا ديوان الإنشاء الخاص بالرسائل الصادرة عن الخليفة وحاكم بغداد العام، وعنى البويهيون بهذا الديوان منذ استيلائهم على بغداد فاتخذوا له بعض النابهين من الأدباء، وكثيرا ما كان يقوم عليه وزيرهم، وأول من نهض بأعبائه فى عهدهم وكان له ذكر حسن أبو محمد المهلّبى (٢) الذى وزر لمعز الدولة البويهى منذ سنة ٣٣٩ وكان شاعرا كاتبا وأنشد الثعالبى فى يتيمته طائفة من شعره، أما نثره فاكتفى فيه بفصول قصيرة تدل على أنه كان يسجع فى كتاباته، والسجع فى ديوان بغداد قديم منذ عصر المقتدر كما مر بنا فى كتاب العصر العباسى الثانى، وقد مضى كتّاب الدواوين بعد عصره جميعا يسجعون. ويظل المهلبى ناهضا بالوزارة والكتابة حتى وفاته سنة ٣٥٢. وأهم كتاب البويهيين ببغداد بعده أبو القاسم عبد العزيز (٣) بن يوسف،


(١) انظر فى ترجمته الخريدة (قسم العراق) ٢/ ٢٦٣.
(٢) انظر فى المهلبى وترجمته اليتيمة ٢/ ٢٢٣ والمنتظم ٧/ ٩ ومعجم الأدباء ٩/ ١١٨ والشذرات ٣/ ٩ وكتب التاريخ العامة فى سنة وفاته.
(٣) راجعه فى اليتيمة ٢/ ٣١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>