للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتوالت قوافيه: (يغشاها-زكّاها-تقواها-أشقاها). ومن طريف الاقتباس فى الغزل قول فتح الدين بن الشهيد (١):

فى صدرها رمّان نهد زانه ... حلى {(يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ)}

ويريد بوسوسة الحلى صوته الخفى، واقتبس-كما هو واضح-آية سورة الناس وما فيها من الاستعاذة من الشيطان الوسواس بما لا نفع فيه {الَّذِي (يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ).} وأكثر الشعراء من التضمين لأبيات المتنبى وغير المتنبى من كبار الشعراء، كقول مجير الدين بن تميم مضمنا لبيت من أبيات المتنبى فى وصفه لزهر اللّوز إذ يقول (٢):

أزهر اللّوز أنت لكلّ زهر ... من الأزهار يأتينا إمام

«لقد حسنت بك الأيام حتى ... كأنك فى فم الدهر ابتسام»

وعنى كثيرون باقتباس الشطور الثوانى من معلقة امرئ القيس وتضمينها فى قصائدهم. وسنلتقى بأمثلة كثيرة من ألوان هذه البديعيات فى ترجماتنا للشعراء.

[(هـ‍) التعقيدات]

إذا كانت الشام نفذت-على لسان أبى تمام-إلى ابتكار مذهب التصنيع والتنميق فى الشعر العربى، فإنها هى أيضا التى نفذت إلى ابتكار مذهب التصنع والتعقيد فى الشعر أو قل هى التى أعطته صيغته النهائية، فقد أخذ الشعراء-منذ أوائل هذا العصر-يتكلفون فى صورهم البيانية ومحسناتهم البديعية ألوانا شتى من التكلف عرضناها فى كتابنا «الفن ومذاهبه فى الشعر العربى» وما نصل إلى أبى العلاء المعرى حتى يبلغ هذا التصنع أقصاه فى ديوانه: «لزوم ما لا يلزم» وهو فى مجلدين ضخمين. والقصائد فيه تنتظم حروف المعجم حرفا حرفا، وفى كل حرف يأتى بالروى ساكنا ومتحركا بالحركات الثلاث: الضمة والفتحة والكسرة، والتزم مع كل روى حرفا معينا يسبقه كالباء والتاء وغيرهما. وبذلك أصبح لقصائد هذا الديوان الضخم رويّان يلزمانها فى حتمية شديدة. وليس هذا كل ما فى الديوان من تعقيد، فقد يكون ذلك أخف ما فيه من ألوانه، إذ نراه يعنى فيه بعرض كلمات غريبة لا تكاد تحصى، وشغف بالجناس وعقّده بدوره إذ طلبه بين القافية


(١) الخزانة ص ٤٠٤
(٢) الخزانة ص ٤٧٣

<<  <  ج: ص:  >  >>