رأينا فى غير هذا الموضع كيف أن الخوارج بفرقهم المختلفة من أزارقة وصفرية ونجدات وإباضية ظلوا يحاربون الجيوش الأموية طوال العصر، وكلما قضوا على جماعة منهم هبّت جماعة أخرى تطلب الاستشهاد فى سبيل عقيدتها فى ولاية الأمة وأنه ينبغى أن لا تكون قاصرة على قريش، بل يتولاها خير المسلمين ورعا وتقوى ولو كان عبدا حبشيّا. وقد أخذوا يتصورون الجماعة الإسلامية ضالة عن الطريق الدينى الصحيح، ومضوا يرون جهادها فريضة دينية.
وعلى هذا النحو عاش الخوارج فى هذا العصر للحرب، مستحلّين دماء إخوانهم المسلمين، وهى معيشة طبعت شعرهم بطوابع ميزته من شعر الفرق السياسية الأخرى، فهو شعر ثوّار ترافقهم السيوف فى غدوهم ورواحهم وفى استقرارهم وترحالهم. وقد استعذبوا الموت غير آبهين بالحياة الدنيا، ومن ثمّ كان شعرهم فى جملته حماسيّا، وهى حماسة لا تحركها العصبيات القديمة، عصبيات القبيلة التى كانت تقوم على الأخذ بالثأر، وإنما تحركها عصبية حديثة لعقيدتهم السياسية التى تعمقتهم مؤمنين بأنها تطابق تعاليم الدين الحنيف وأن عليهم أن يجاهدوا فى سبيلها مخلصين، حتى يفوزوا برضا الله وثوابه.
وكان إخلاصهم لدينهم عظيما، غير أنهم ضلوا عن المحجة، إذ مضوا يشرعون سيوفهم ويسلّونها على المسلمين، كأن الإسلام لا يحيا إلا فى معسكراتهم، وبذلك مزّقوا الجماعة الإسلامية، إذ ظلوا ثائرين، وظلت عقيدتهم كأنها مبدأ ثورى يدعوهم دائما إلى الحرب والقتال. وكانوا أتقياء، ولكنهم من غير شك كانوا غالين فى نضالهم، فقد رفضوا الدنيا واستحلوا دماء إخوانهم المسلمين، وأخذوا يجاهدونهم جهادا عنيفا موطّنين أنفسهم على طلب الشهادة فى ميدان هذا الجهاد، حتى كان بينهم من إذا طعن فأنفذه الرمح جعل يسعى فيه إلى